زياد العناني في «زهو الفاعل» مذاقات برِّية تمجِّد الحرِّية

يمضي الشاعر زياد العناني في مجموعته الجديدة «زهْوُ الفاعل» أكثر نحو تكريس صوته الشعري الخاص، مبتعداً به عن الملامح العامة التي تسود مساحة شاسعة من البيان الشعري، وهو يبدو مقرراً دراسيا مستنسخاً.
فالشاعر الذي واظب على إصدار ست مجموعات شعرية، صاغ من خلالها مفردته الشعرية المتخففة من أعباء الأيديولوجيا، والوعظ الاجتماعي، ذاهبة نحو منطقة الفضح والهتك، مسقطاً عنها مهمة ترميم الخراب، تماماً كما يستهل مجموعته الأخيرة:

«حين أعود
إلى بدء الجريمة
الأولى
أكره الكرسي
وأغرس كل مخالبي
في وجه المحبةْ
قاتلتهم دهراً
ثم قتلوني
فلماذا يا حزنَ الله
لم تظهرْ
في الوقت المناسب
قبل أن تغرق الدنيا
بدمنا
ونموت مضطهدين
في شبهة كرسي
كلما رفعناه يسقط فوق رؤوسنا»
هكذا يبدو صاحب «خزانة الأسف» مُصرّاً على الخوض في الحياة، مجرّداً من ديباجة الوصايا، ناقشاً صورته على جدران كالرغوة، يمحوها ويرسمها من جديد:
 
«تباً لك
لم َّ
أمرت بكلِّ هذا الخراب
تباً لك
وأنت مع الصداع
وأنت بلا مصحة
تتوهم أنك تجلس فوق كرسي الأكتاف
من غير أن تعرف أين سقطت
وأين سترتطم»
 
وفي ديوانه الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر لا يُكرر العناني إلا دفق شعريته الحار، ويقول الشاعر زهير أبو شايب في كلمته على الغلاف الأخير «إن الشعرية، في جوهرها ليست مواصفات ومقاييس، بل هذه الحرارة التي نميِّز بها النص الحي من النص الميِّت»، ذاهبا إلى أن على النص ليكون شعرياً، أن يكون حيا أولاً، لرأيه أن «النص الميت لا يصلح للشعرية مهما تكن مواصفاته»
وتجربة زياد، وفق أبو شايب، «تذهب نحو شعرية أخرى أقل زخرفاً وانشغالاً بذاتها، لكنها أكثر شراسةً وانشغالاً بالعالم»، مضيفا أنها «شعرية تخمش السائد والراكد والمقدس، وتؤسس لمذاقات بريّة تمجد الحرية بوصفها الأرض المقدسة الوحيدة التي تصلح فضاء للكتابة»
ويمضي الشاعر في تجربته الجديدة نحو «نهش تعينات السلطة المختلفة»، كما يذهب أبو شايب، مشيراً إلى أن العناني يعرِّفها بأنها «نقيض الحرية ونقيض الشعرية»، مشدداً أن ذلك يأتي من دون أن ينزلق إلى مستوى الكتابة الاستعراضية التي توهم في الظاهر بأنها تجابه السلطة، فيما هي في الحقيقة، امتداد طبيعي لها:
 
..«وذهبنا إلى الحرب

أغراراً
رغم أنهم شرحوا لنا في الطريق
كيف تكون
..وذهبنا
إلى الحرب
ثم عدنا
لنساء
توقعن أن نأتي
منتصبين
كما قال الكرسيُّ
ونمنا
ونحن نديرُ ظهورنا
منكسرين مثل عين
يتمطى الخوف مع الفضيحة في أعصابها»

 المجموعة السادسة للعناني، بعد «خزانة الأسف» 2000، و «في الماء دائما وأرسم الصور» 2002، و«كمائن طويلة الأجل» 2003، و«مرضى بطول البال» 2003، و«تسمية الدموع» 2004، يتكرّس العناني بتجربة يرى أبو شايب أنها «تفترق عما هو سائد في قصيدة النثر العربية، وفي الشعرية العربية الراهنة بوجه عام».
والعناني المولود في ناعور عام 1962، يعمل محررا ثقافيا في جريدة «الغد»، وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب.

معلومات إضافية

العدد رقم:
409