نبيل محمد نبيل محمد

عن الكلمة الضائعة والنص والجمهور

«كم هي غريبة حياة ذلك الشقي.. فالتي أحبها تحب ابن عمه الذي يحب فتاة أحبت الشقي.. وبعد شبكة معقدة من تراشق الرصاص وهدر الدماء.. مات الشقي كومبارساً... وعاش ابن عمه بطلاً في مسرحٍ جمهوره نائم».

هذا ليس نصاً في مجموعة ما، إنه مقطع نثري ملحق بجداول عليك ملؤها بأحرف كلمات المقطع لتجد أن الكلمة الضائعة هي «سمية الخشّاب»، قد يستثيرك الأسلوب الجديد ليس في صيغته الأدبية وإنما في طريقة الجذب من خلال التسلية، لتتحقق معادلة صعبة التحقق لدى مجتمع غير قارئ، أي بأن يستثيرك النص الأدبي أكثر من مساحة التسلية في الصحيفة المحلية.
هذا ما يحاول تقديمه عبد الحسيب زيني معد الكلمات المتقاطعة والضائعة والمجهولة والمختبئة والمعرفة بأل وسائر أقانيم صفحات التسلية في عدد من الصحف المحلية، متخذاً أسلوبية جديدة في جذب عين القارئ وبالتالي ذهنه إلى النص الأدبي على اعتبار أن صفحة التسلية تحقق انتصاراً على صفحة الثقافة في الصحافة المحلية لدى سواد القراء: موظف الحكومة، المسافر، مرتاد المقهى.. وما إلى ذلك من قراء.
هذا النص الأدبي الذي لا يقدمه كاتبه لا كمادة أدبية، ييستطيع تحقيق نفاذيته بطريقة غير معهودة، فيجدالقارئ نفسه متابعاً الصفحة لا ليجد كلماتها الضائعة ـ مع أن الفكرة تستهويه ـ وإنما ليجد الكلمات الموجودة على اعتبار أنها نص أدبي، يدعوه للبحث عن كلمة غير منتمية لجسد النص المتكامل كصيغة مقطع سردي نثري.
هذا الأسلوب يدعونا للحديث عن تلك المهارات التي تحاول تمرير أفكارها من خلال الصيغة الشكلية التجارية كأن تجد مقطعاً نقدياً فنياً عالي المستوى في خبر يتناول أحد أعلام الفن التجاري، أو تعليقاً ذا أهمية فكرية ومغزى اجتماعي على صورة عابرة، بحيث تستغل اندماج عين القارئ مع المساحة المثيرة لتلفت نظره إلى معنى عميق يتجاوز المادة المتمحور حولها عضوياً، وقد لا يكون الهدف فقط هو تقديم فكرة معينة وإنما هو المادة بحد ذاتها أي أن هذا الكاتب أو ذاك يهرب من كلاسيكية المادة الغنية فكرياً وثقافياً محققاً إلى حد ما رسالته إلى جمهور لا يهدف أساساً إلى الحصول على هذه الرسالة إلا أنه يجد نفسه تقبلها إلى حدٍّ ما وبالمقابل فإن المهتم بالمادة الغنية فكرياً لا بد أن يمر على مادة استهلاكية من باب السخرية أو الإطلاع أو «ليعرف شو عم يصير بالدنيا»، فيجد ما لم يكن يتوقعه.
وهنا نذكر أن هذه القيمة تكمن أيضاً في الكلمات المتقاطعة التي لا يمكن لأحدنا أن يحمّلها رسالة معينة أو يعطيها بعداً أكثر من التسلية خاصة وأن المرادف في صحفنا غالباً هو «من الطيور.. عكس أبيض... جدها في لو.... نعم بالأجنبية»، لنجد أحياناً الوضع المختلف فنقرأ: «كاتب ألماني حاز على نوبل.. ممثل عالمي نال الأوسكار سنة 98»، هذه الأسئلة قد يهرب منها الكثيرون ولكنها بالنهاية تقدم معنى ما لصورة مجانية في واقع المطبوعة المحلية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
415