عمرو سواح عمرو سواح

إحراق الأوراق الثقافية المواهب المؤجلة

في حديث دار بيني وبين أحد الأصدقاء حول الوضع الثقافي الراهن، توقف صديقي برهة بعد أن قلت له: أنا أؤمن بمواهب فلان، وأتوقع أن يتطور وتتفتق مواهبه إذا أعطي مجالاً.
نظر إلي صديقي بشكل غريب وقال لي: هل تعرف أن فلان هذا الذي تتحدث عنه قد تجاوز الستين من عمره فأي مواهب تنتظرها منه؟. هذه المواهب التي تتحدث عنها التي قد تظهر فجأة بعد فترة هي لمن هم في مثل عمرك يا عمو وليس لفلان. ( وصديقي يكبرني ب20 عاماً تقريباً).
 فقلت لصديقي: أمن المعقول أن تتحدث عنه بهذا الشكل إنه شخص مهم.

فقال: نعم ربما كان فلان هذا مهماً، لكن ليس هذا هو المهم. المهم أن يكون فلان مهماً في المجال الذي يعمل فيه. أن يكون مهماً هكذا بدون نتاجات مهمة فهنا تكمن مشكلة كبيرة في تفكيرك. ثم أردف صديقي، إن كنت تتوقع أن تظهر لدى هذا الشخص أو أي شخص آخر يشبهه أية مواهب خفية لايزال يحتفظ بها لنفسه استعداداً للمرحلة القادمة فأنت مخطئ تماماً، وإياك أن تعتقد أن هناك أحداً يخبئ قدراته الهائلة هذه الأيام، لمراحل قادمة، لأن الأمر ببساطة، الأيام القادمة التي تتحدث عنها هي الآن مثلما كانت البارحة كما هي الغد، ما تراه على الساحة الثقافية الآن من مقدرات وفي كافة المجالات هي القدرات الحقيقية لأصحابها، وإن كنت تتوهم يوماً أن أي شخص سواءً كان فلاناً أو أي شخص آخر، سيأتيه وحي ما ويحوله فجأة إلى فيليب بوافور دارفور في الصحافة، أو جاك دريدا في النقد، أو بيتر بروك في المسرح، أو فان كوخ جديد في الرسم ،أو ميلان كونديرا  في الرواية، إذا كان تفكيرك يذهب بهذا الاتجاه عندها علي أن أنصحك بأن تستشير طبيباً نفسياً. لقد بقي هؤلاء الأشخاص في أماكنهم وقتاً طويلاً كما هم دون أن يتغيروا أبداً، ومهما تنقل فلان في عمله من صحيفة إلى مبنى الإذاعة ليعود إلى صحيفة أخرى، وقد يعمل في التلفزيون، وربما سيعمل مدرساً اعتماداً على مواهبه التي لم تتفتق بعد، وقد يعمل في الترجمة ولا تستبعد أن يكتب رواية، لكن مواهبه هي ..هي لم ولن تتغير في أي من هذه الأماكن، وسيبقى على حاله.
فسألت صديقي: إذاً كيف وصل إلى ما هو عليه وأصبح معروفاً هكذا.
عندها أجابني صديقي بعد أن نظر إلى نظرة ازدراء: يا عمو لقد وصلوا إلى ما هم عليه لأنهم … لأن هناك أشخاصاً مثلك ينتظرون من فلان أن تظهر مواهبه يوماً ما، وهم صبورون جداً، بالإضافة إلى عدد من الأسباب والاعتبارات ولا داعي لذكرها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
168