ناجي العلي..... صوت الحقيقة الذي لا ينهزم

في الثاني والعشرين من شهر تموز عام 1987في مدينة لندن تعرض رأس ناجي العلي لطلقة غادرة، لم تمهله كثيراً فرحل في التاسع والعشرين من شهر آب بعد ثمانية وثلاثين يوماً من إصابته .

ريشة وورقة وعقل صاف وقضية والتزام وعين ثاقبة هذه أدوات ناجي العلي التي أبدعت الآلاف من الرسوم التي نراها طازجة دائماً، فكم من النبوءات التي امتلأت بها رسوماته والتي تحققت كنبوءته بالانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت بعد أشهر من استشهاده.

فنان صنعته تجربة المنافي وأحزان وأوحال المخيم فبقي أميناً لأحلام أولاد المخيمات في وطن حر كريم، مقاتل بكل شراسة كل ما يبعده ويبعد أبناء المخيمات عن حلم العودة للوطن، من هنا يمكن لنا أن نفهم تلك القسوة التي اكتسبتها ريشته وتعليقاته الصادرة من القلب مباشرة دون أي تهذيب أو تجميل.

أتقن ناجي لعبة الأبيض والأسود في خطوط رسومه فقسم شخصياته والمواقف التي تعبر عنها إلى هذه الألوان فلم يستسغ أو يعترف أبداً باللون الرمادي في لوحاته أو في المواقف.

ثنائية الأسود والأبيض التي تظهر في أعمال ناجي تحيلنا إلى ثنائية القبح والجمال التي يعبر عنها من خلال اهتمامه برسم شخصياته، فنلحظ أن شخصياته الايجابية / الجميلة تتحلى بقامة رشيقة وملامح واضحة على الرغم من فقرها الواضح وتعبها البادي للعين تشعرها حية تضج حركة وحيوية كأنها ستقفز بعد قليل من اللوحة لتقف إلى جانبنا، بالمقابل ترى الشخصيات السلبية / القبيحة تلك الأكوام المترهلة من شحم وبلادة ورضوخ وخنوع لا تظهر ملامحها بوضوح تقف ببلاهة واضحة للعين..

حنظلة، فاطمة، مريم، أصحاب الكروش أسماء أبدعها ناجي العلي في رسوماته والتي لا تزال طازجة إلى الآن، هذه الشخوص تمتلك الحياة الأبدية تعيش بيننا نراها كل يوم، تحمل أحلامنا وتدافع عنها نرى فيها ذاتنا، تحمل انكساراتنا الكبيرة، وشخوصا تساهم في انكساراتنا وسرقة أحلامنا.

حنظلة / الشاهد علامة ناجي العلي: صغير، ضئيل، حافي القدمين، فقير، غائب الوجه في معظم الأحيان، متأملاً الناس، يراقب بصمت الواقع الفلسطيني والعربي المأساوي .... وعندما يتحدث ويعلّق في مراته القليلة تنطلق النار لتحاصرنا ولتكشف مدى عجزنا... وبعفوية جارحة يعبر عن ضمائرنا.

كان ناجي ينطلق من الشعب والقضية التي ينتمي إليها لتكون معياراً وذريعة لموقف ناجي ليرسم موقفاً وطنياً وقومياً وإنسانيا بسيطاً كالماء واضحاً كطلقة مسدس، ففلسطين بالنسبة لناجي ليست تلك الرقعة الجغرافية الصغيرة وإنما تمتد معه من المحيط إلى الخليج كان يراها في رغيف الخبز للفقراء وفي هدية للصغار وفي حقوق الإنسان والديمقراطية في بيت لائق إنها باختصار حلم بوطن عربي سعيد واحد يؤمن لأبنائه كل ما يحلمون به.

كان ناجي يرى فن الكاريكاتير وسيلة لتوصيل الفكرة / الغاية لذلك كان مسكوناً بهاجس توصيل الفكرة التي يعبر عنها إلى عامة الناس إلى أوسع ما يمكن لذلك نراه يستخدم الكلمة والتعليق في رسوماته لتصل فكرته إلى كل الناس.

لقد قدم ناجي في حياته كما في مماته صورة لمثقف مبدع قاتل بفنه ضد كل القبح الكامن في الواقع الفلسطيني والعربي فكان شاهداً وشهيداً على كل ما في عصره من قبح وجمال.

شاهداً على المأساة الفلسطينية والعربية فاضحاً كل من يبعده عن حلمه بفلسطينه وبوطنه العربي الخالي من الاستبداد والرقابة والقمع والأعلام الأمريكية .

لم تقو البلدان العربية على احتمال حرية ناجي الذي كان مطارداً ومطروداً من عين الحلوة في لبنان إلى الكويت وصولاً إلى مكان استشهاده في لندن، لكن صوته بقي مدوياً رغم بعده ألاف الأمتار عن الوطن العربي الكبير .. الصغير الذي لم يتسع لحرية ناجي العلي.

ناجي العلي في ذكرى استشهاده السابعة عشرة .... سلام عليك يا صوت الحقيقة الذي لم يهزم ولن ينهزم.

■ سامر الصالح

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

معلومات إضافية

العدد رقم:
227