رائد وحش رائد وحش

ربما ..! فيروز.. آخر ملكات الأوليمب

لا تحمل أية كتابة عن فيروز جديداً، رغم ذلك لا نكف عن الكتابة عنها كما لو كنا نسرق الجمال منها.. حقاً ثمة سحر حقيقي في اسمها، إذ يكفي أن نخطه على الورقة حتى تكتسي بالفتنة والعطر والطزاجة.. لا جديد في الكتابة عنها لأنها وحدها الجديدة!! حتى عيد ميلادها الرابع والسبعين الذي مر قبل أيام ليس بالمناسبة التي تستحق التوقف فهي عيد ميلاد دائم، وهذا أمر محسوم كالبديهيات. هناك من يقول بأنّه مناسبة لفحص ذواتنا التي صنعها هذا الصوت قبل أن يكون مناسبة للاحتفال.. وهناك من يراه عيداً وطنياً.. وهناك من يحمّله معاني أخرى، لكن مديحها الوحيد هو استماعنا المتواصل إليها طوال الوقت.

قبل سنوات تعرّفت إلى شاعر سوداني من الإقليم الذي بات شهيراً الآن: دارفور!! جاء إلى ريف دمشق ليعمل ناطوراً في مزرعة أحد الأغنياء. «بلّه آدم باشر» كان رجلاً غريباً للغاية، علّمه رعي الجمال في الصحراء أن يظل أربعين يوماً دون أن ينطق كلمة واحدة. بهذه الروح حمل هذا الشاعر غربتين طي روحه، غربة تكوينه الأول، واغترابه في عالم الجور والاستغلال حيث لم يتقاض قرشاً من أجوره بسبب تسويف صاحب المكان الذي انتهى به الأمر إلى طرده من البلاد في ليلة ليلاء. رغم كل المشقات التي كان يخوضها هذا الرجل كانت فيروز، فيروزه الخاصة، تشده دوماً نحو الغد الجميل، كانت تعلمه دروس الأمل حرفاً.. حرفاً، وقد كتب كل ذلك في قصيدة سمّاها «آخر ملكات الأوليمب» التي كان أجمل ما فيها تكراره اللازمة الفادحة: «فيروز يا أمي»!!
ليست قصة «بلّه» بالاستثنائية، فلدى عشّاق فيروز ملايين وأطنان من هذه الحكايات التي تتوغّل في عمق مفعول هذا السحر.
نحن أيضاً مثله، مثل بله آدم باشر، نغني: فيروز أمنا!! لأنها لا يمكن إلا أن تكون كذلك، فلسنا نرضى إلا بهذه البنوة، فأغانيها لم تكن إلا حليباً، وطقس الاستماع ليس سوى رضاعة.. هكذا سنظل، وهكذا سنبقى مهما استطالت بنا الأيام، ولن نبلغ فطامنا، لأنّ لحظة الفطام هي لحظة يتم..

رائد وحش

معلومات إضافية

العدد رقم:
430