أدونيس.. وعاصفة بيروت

في بيروت وفي مسرح المدينة تحديداً ألقى الشاعر أدونيس محاضرة بعنوان «بيروت اليوم أهي حقاً مدينة أم مجرد اسم تاريخي»، حملت في طياتها موقفاً سلبياً من بيروت المدينة، ومن مثقفي وأهل بيروت.

لم تكن هذه المحاضرة سوى النار التي أشعلت الفتيل، لتنفجر من بعده قنبلة، من الردود، والسجالات يومياً وعلى صفحات الجرائد اللبنانية، فمن لم يكن في وقت المحاضرة قرأها في اليوم التالي، وبالرغم من أن أدونيس رحب بالنقاش الذي دار إلاّ أن السجال الذي دار بعد ذلك انتقل ليقدم نقداً لا لأدونيس في شخصه وحسب بل امتد ليشمل كل تاريخه الشعري، النقدي، حتى أنه وصل في بعض الأحيان إلى حد التجريح الشخصي، وكان من الذين قاموا بتقديم النقد والردود على محاضرة أدونيس  أهم المثقفين والباحثين اللبنانيين منهم: عبده وازن ومحمودحداد ووضاح  شرارة، وبول شاؤول وغيرهم من المثقفين اللبنانين الذين امتلأت صحف الأيام التي تلت المحاضرة بمقالاتهم.

وقد تركزت معظم الردود حول سؤال رئيسي: ما هو السبب الذي يحدو بمثقف مثل أدونيس لأن يهاجم عاصمة كانت ذات يوم ما بيته الثاني، وكانت لها اليد الطولى في ذيوع اسمه وشهرته.

وكانت أكثر المقالات حدة في اللهجة مقالة الشاعر والمسرحي بول شاؤول: حيث تحدث في رده عن سؤال طرحه أدونيس حول هوية بيروت قائلأً: إن بلاد أبقت ينابيعها الثقافية مفتوحة، وحتى متناقضة، ومتنابذة أفضل من بلدان جففت ينابيعها الأولى، وصحّرت مدنها، وريّفت مدنيتها. وهذا ما فعَلته أيها الرفيق أدونيس الأنظمة العسكرية العربية التي وفدت من الأرياف، والدساكر، وقضت على المدينة

العربية، فصارت هذه المدينة، حتى بهندستها تشبه حكامها أكثر مما تشبه ناسها. تحمل «هوية» حكامها القاتلة، أكثر مما تحمل هوية ناسها «المقتولين»، والمقهورين، والفقراء، والمضطهدين. وصارت فعلاً «مجتمعاً» واحداً محكوماً بالذل والخنوع، بل أشباحاً متناسخة، متناسلة على مساحة من الخواء والفراغ واليأس والاحباط، والقبول.

لينتقل شاؤول في نقطة أخرى حول إشكالية الطائفية التي تحدث عنها أدونيس فيقول: وإذا كان لا بد من المصارحة، أجد نفسي أقول، انك أول شاعر حداثي يفتتح النقد الطائفي والمذهبي في كثير من كتاباتك لا سيما «الثابت والمتحوّل». إنك رائد الكتابة البحثية الطائفية في الحداثة العربية، حتى وصلت معك إلى نوع من العنصرية الثنائية والفسطاطية. هل تذكر سبب خلافك مع منير العكش. بعد مقالته عن «الثابت والمتحوّل» في مجلة «الحوادث» في السبعينات؟ وأنت الآن من أي موقع تتكلم يا أدونيس: هل من موقع إعجابك بالثورة الايرانية وقد أهديت الخميني قصيدة نشرت في جريدة «السفير»، أم من موقعك كمسيحي أم من موقعك كعلوي، أم من موقعك «كافرنجي»، أم كعلماني، أم كقومي سوري سابق خان الحزب عند أول أزمة تعرّض لها في الستينات بعد فشل الحركة الانقلابية وتنكيل «العسكر» بهذا الحزب الذي أسسه رجل اسمه أنطون سعادة؟

ثم يختم بول شاؤول مقاله المنشور في جريدة المستقبل بكلام أكثر قسوة فيقول: «لا» اللبنانية لم يطمسها القمع ولا الاستبداد ولا الفقر ولا الجوع ولا الخوف. «لا»، مهما كانت صغيرة أو كبيرة، لكنها أداة رفض، ومساحة صرخة يبدو أنها ماتت في حلقومك منذ زمان، وقد يختلف الكثير حول شعرك، ولكن يجمعون على أنك شخصية هشة، منهوشة بالغرور والانتفاخ والأحادية... والرياء، فمن «بيته من زجاج بل وبلا زجاج» لا يرشق بيوت الآخرين بالحجارة.

وأخيراً: أنت يا أدونيس، ومنذ زمان أقول ذلك، صورة مصغرة للنظام العربي. جزء فسيفسائي من فسيفساء النظام العربي.

 

إن كلمة أدونيس في مسرح المدينة فتحت الباب على الكثير من الأسئلة حول مفاهيم أدونيس، والتغير الملحوظ في شكل الخطاب لديه، وربما لن تتوقف هذه العاصفة التي أثارها أدونيس إلاّ بعد أن ينشر المقال الذي وعد بنشره كرد على الهجوم المضاد.