ماذا تقول يا صاحبي - بين نارين -

• أتصدق أنني أكاد أخرج «كما يقولون» من جلدي، وفوق ما نعانيه من شظف العيش وتكاليف الحياة، فالذي يجري على أرض الواقع، يزلزل كياني كإنسان إلى درجة أنني أتمنى بكل جوارحي لو كنت أمتلك قوة سحرية خارقة، أستطيع بها أن ألجم كل قوى الشر والعدوان والبطش والنهب المنفلتة من عقالها، تلك القوى الرهيبة التي تمارس أبشع أساليب النازية في قهر الشعوب فتثخنها بالجراح والمصائب والآلام، لا تستثني أحدا صغيرا كان أم كبيرا، امرأة أو طفلا أو شيخا عاجزا. وبكل العنجهية والصلف تتبجح مضللة  زاعمة أنها تحارب الإرهاب!! وكأن ما تفعله ليس الهمجية بذاتها والإرهاب بعينه!!.

إن ذلك كله يدفعني مرغما إلى التساؤل وبحرقة: أهذا هو قدر الشعوب أن تظل وإلى الأبد، ترسف في أغلال الظلم والقمع الوحشي والعبودية؟؟!.

أجبني إن كنت تملك جوابا، فإني لم أعد أطيق أن أصبر على ما يحدث!!

* معك الحق كله في أن تتألم هذا الألم، وكذلك في أن تستنكر وتدين هذا الظلم الصارخ وهذا العدوان الوحشي على الشعوب، ولكن أبدا لا يصح  لك، وأنت الذي أعرفه دائما يضج بالحماسة والتفاؤل، أن تستسلم وترمي سلاحك قانطا أمام عدونا عدو الإنسانية جمعاء. فما يجري في منطقتنا وبخاصة في فلسطين والعراق هو بعض من الصراع الذي تخوضه البشرية ضد مستعبديها من قوى الاستغلال والقهر والظلم والظلام.

وهذه المعركة الشرسة ستستمر وستزداد حدة وضراوة إلى أن يتحقق للشعوب ما تطمح إليه من انتصار حاسم، ينهي معاناة الإنسانية، لتعيش حياتها الأفضل والأجمل.

• أنت لا شك تحلم، أفق من أوهامك يا رجل، ما هذا الكلام المنمق؟! وما الذي تملكه الإنسانية المسكينة المغلوبة على أمرها، والمحرومة من أية قوة مادية أو معنوية، تستطيع بواسطتها أن تقف على قدميها، إنها لا تملك إلا الدموع والضعف والاسترحام، ولن تكون إلا أداة بيد الأقوياء الذين يملكون كل شيء، ولا يسمحون لغيرهم أن يرفعوا أصواتهم، فكيف يرفعون رؤوسهم؟

* المسألة يا صاحبي ليست حلما أو وهما، المسألة هي حقائق ووقائع، وصراع البشرية ضد الجبابرة والطواغيت والغزاة المحتلين هو واقع محسوس، نعيش نحن اليوم فصلا ملتهبا من فصوله، فهذه المقاومة الباسلة في فلسطين والعراق وجنوب لبنان تسطر صمودها واقعا حيا  في وجه أعتى قطعان الغزو والاحتلال.  مثبتة بالدم والتضحيات أن لا بقاء لغاز أو محتل على أرض، يهب شعبها للدفاع عن ثراها وحياضها. إن نظرة سريعة إلى صفحات تاريخ الشعوب، تؤكد هذه الحقيقة الساطعة كالشمس، ويكفي أن نستعيد واقع بلادنا منذ قرن من الزمن، لندرك أن النضال هو مفتاح الخلاص من العبودية والأغلال. ألم تدشن معركة ميسلون في الرابع والعشرين من تموز عام 1920 بداية نهاية ليل الاحتلال، وانبلاج فجر الجلاء والحرية رغم جبروت طواغيت الغزاة المستعمرين. والآن  تلتهب الأرض تحت أقدام المحتلين رغم العسف وآلة الحرب المرعبة. لقد صدق عندليب فلسطين محمود درويش حين قال:

ما الذي يجعل الكلمات عرايا

وفحمة الليالي مرايا؟

غير حزن المصفد

حين يرى أمه.. أخته.. حبه

لعبة  بين أيدي الجنود

وبين سماسرة الخطب الحامية

بين نارين:

نار من البيت تأتي، ونار من الضاحية؟!

.......

وصدق أيضا حين قال:

يا دامي العينين والكفين إن الليل زائل

لا غرفة التوقيف باقية ولا زرد السلاسل

نيرون مات ولم تمت روما

بعينيها تقاتل !!

فماذا تقول يا صاحبي؟!