من نحن.. وكيف يروننا؟

من نحن.. وكيف يروننا؟

ورد في كتاب «ماهي الفلسفة» للكاتبين كيريلنكو، وكورشونوفا قراءة معمقة عن ظروف تكوّن الوعي البشري، تفند تلك الآراء التعميمية، والتي تتسم بالإطلاق في تقسيم الشعوب إلى نوعين: شعوب متخلفة، وشعوب متحضرة، وحسب مقدمة هذا الكتاب« كانت تتراكم في ذاكرة البشرية  خلال المئات والآلاف من السنين المشاهدات المنفردة الخاصة بأسباب كسوف الشمس وفيضان الأنهار وتتولد التخمينات حول علل نشوء الحياة وإنطفائها الطبيعي وحول بنية الجسم البشري وغيرها».

 

كان الناس ينظرون إلى المجردات وكأنها موجودة في هيئة شيء منفرد، مثل اسطورة باندورا اليونانية القديمة، التي تصور الشّرّ كشيء ملموس محفوظ داخل آنية. 

وكانت لشعوب العالم كافة، في مرحلة معينة من تطورها، هذه المَلَكة، أي القدرة على تصور العام في هيئة عيانية ملموسة فقط، ففي أسطورة شعب أشانتا بأفريقيا، نجد هذا التصور المادي نفسه عن الحكمة، فقد كان العنكبوت أنانسي يطوف في المعمورة يلتقط حبيبات الحكمة، ويجمعها في آنية من الفخار. ولما امتلأت الآنية خبأها في شجرة، ولكنه غضب ذات مرة من ابنه فرمى بالآنية أرضاً، فانكسرت، وانهال القوم يلتقطون كسرات الحكمة. ولكن من تأخر ولم يلتقط أيه كسرة، بقي جاهلاً إلى الأبد. 

لردح طويل من الزمن، لم تكن توجد في لغة البشر كلمات تدل على السمات العامة المشتركة بين الأشياء، وعمليات العالم المحيط. فلم تكن لدى السومريين مثلاً كلمة «قتل» فعندما كان الناس يريدون الإخبار بوقوع حادثة قتل، كانوا يستخدمون كلمة تعني «ضرب بالعصا على رأسه».

ان مَلَكَة التعميم تتطلب القدرة على فرز الضروري من العرضي، وفصل السبب عن النتيجة، ولكن هذه المَلَكَة نفسها لم تتكون دفعة واحدة، فالإنسان البدائي، حين كان يرى التشابه الخارجي، بين الأشياء والظواهر، كان يخلص إلى الاستنتاج بأن ثمة صلة وثيقة بينهما، ومن ذلك ان أبناء إحدى قبائل الهنود الحمر بوادي أورينكو بأمريكا الجنوبية، كانوا يعتقدون أن النساء فقط، يجب أن يشتغلن بالبذار، وبما أن المرأة تلد فإن الأرض تعطي محصولاً جيداً، وفي اوغندا لا يزال الناس حتى يومنا هذا، يؤمنون أن عقم المرأة يستدعي عقم الأرض.

على هذا النحو كان يتشابك في الوعي البدائي عالم الطبيعة وعالم الإنسان، عالم الأشياء وعالم الأرواح، وعلى هذا النحو فإن العجز عن تكوين المفاهيم المجردة، وانعدام القدرة على فصل الجوهري عن الثانوي وغلبة العاطفة على العقل تشكل السمات المميزة لوعي الإنسان البدائي.

ينطلق بعض المفكرين الغربيين من رؤية هذا الفارق الحاد، بين الوعي البدائي، وبين أفكار ومشاعر الإنسان المعاصر، ليقولوا: إنه لم يكن للفلسفة أن تظهر بفضل عوامل طبيعية، فهم يذهبون إلى أن الفلسفة هبة من قوة سامية ربانية منحت للشعوب «المختارة» وخاصة لشعوب أوروبا الغربية.

فالزنجي كما يقول الفيلسوف والسوسيولوجي الإنكليزي سبنسر «القرن التاسع عشر» عاجز بطبيعته عن التفكير المجرد! ويشاركه هذا الرأي كثير من المفكرين الغربيين بخصوص الشرق اليوم» 

نستطيع تتبع هذا الرأي في السينما الغربية عموماً، والأمريكية الهوليودية خصوصاً، التي ترى في شعوب الشرق مجموعات أو قطعان من الهمج، وعصابات الجريمة وإرهابيين، ومتخلفين مريضون نفسياً، ويقترحون علينا كي نتخلص من مشاكلنا، أن نستعين ببطل ما ومؤخراً بساحر أو مشعوذ ما يأتي من البلدان الغربية لتخليصنا من الظلم والاضطهاد! إذاً فلنبحث عن أسباب التخلف والظلم في انحطاط أخلاقنا وننتظر في طوابير المعالجة النفسية حتى يظهر ذاك البطل الأمريكي أو المشعوذ البريطاني كوننا غير قادرين على التفكير ومتخلفون عقلياً حسب رأيهم!

إن الجدال والصراع الفكري حول وجود أو عدم وجود شعوب متخلفة محتدم منذ قرنين أو أكثر، تبلور أثناء ظهور الرأسمالية كتشكيلة، ويظهر مثل هذا الجدل في المنعطفات التاريخية الكبرى لتطور المجتمع البشري، وتصاعد الجدل حول الموضوع مؤخراً في ظل الأزمة الحالية التي تمر بها البشرية، في ظل أزمة النموذج الاقتصادي الاجتماعي السائد.  

المضحك والمبكي في هذا الموضوع أن قسماً من وسائل الإعلام المحلية تتبنى هذه النظرية المسوقة من قبل امبراطوريات الإعلام العالمي من حيث تدري فهي التقاء المصالح أو من حيث لا تدري والعذر أقبح من الذنب.