■ عصام إسحق ■ عصام إسحق

بعين حسّاسة و ضوء شاحب

- العين كاميرا الروح.. عالَم من عوالم.. عدسة مبدعة، لم تتتلمذ على أيدي عمالقة إخراج هوليوود، ولم تتخرّج من أكاديميات روسيا أو فرنسا... ولم تعرف التطورّات تطرأ على تقنياتها بين الحين و الآخر، ولكن لكلّ عين فلسفتها الخاصّة المعقدة، إلا أنه يمكن بعد الغوص فيها أن نصطاد لها ميّزات لا غنى عنها: الحساسيّة، اللّون،  الأبعاد. وبمحاكمة العلاقة بين أركان هذه الثلاثية نجد ارتباطها الوثيق مع الضوء،



فلا معنى لها بغيابه، بل لا معنى للعين نفسها، وهنا لا أقصد الضوء الذي هو كميات منفصلة من الطاقة (الفوتونات)، بل تأثيره المحسوس المنظور الذي هو مدماك أساسي في أية لقطة أو صورة، و بما أن مواد بناء أي مشهد تعتمد على توافر هذا العنصر و تأثيره، من هنا يمكننا إمساك تلابيب الحديث عن ضوء مريض شاحب يسري في عروق دراما 2009، رغم وجود الحساسية العالية التي هي أقل الميّزات تأثـّراً بشحوب الضوء قياساً بالّلون و الأبعاد، وهذا ينسحب على الغالبية الساحقة من المسلسلات التي اعتصمت هذا العام بحبل الأحزان والبوليسيّة المترهّلة، لتجعلنا نلج بـ: قلوب صغيرة إلى دوّامةْ الخوف والعزلة، وإن خرجنا منها سيتلّقفنا قاع المدينة لننزلق تحت المداس، ونودّع آخر أيام الحب، ثمّ نغرق في العار، و لن نجد طريقاً للفرار لأن جميع الطرق طريق النحل تعود بنا ومعنا رحيق غذّاه شتاء ساخن، نشتاق فيه إلى سحابة صيف تقول لنا: قلبي معكم...

ربّما هذه التوليفة الملعوبة جَمَلت عدداً من أعمال غلبت عليها الصورة العاتمة والإضاءة الشاحبة (بغض النظر عن جودة الأعمال و مستواها فذلك موضوع آخر). وإذا التمسنا عذراً فسيكون واضحاً وهو: المواضيع التي تصوّر البؤس و التعاسة من كل المناظير المحتملة و بكل الأوجه والأماكن، لتعنون دراما 2009 بالسواد والحداد، ما ينعكس على تقبّل المشاهدين -على تنوّع شرائحهم- لهذه الوجبة التي تشبه «مائدة الرحمة» في مجلس العزاء. وعلى الرغم من رصدها بواقعية رائعة لأحوال وتفاصيل المجتمع حالياً، أو في الماضي القريب أو البعيد نسبياً، إلاّ أن الإضاءة الكالحة كانت تفرّز لحظات ساخنة، وتهدم لقطات قمّة، بسبب تلاشي اللون وضياع الأبعاد أمام العدسة الدامسة. والحقّ يُقال إنها أحياناً كانت تضفي على بعض المشاهد رومانسية ساحرة، وتشيع دفئاً خاصّاً في غمرة الكمد، وهذا ليس بغريب على عيون الفنيّين السوريين التي باتت معروفة بحرفيّتها المرهفة. والسؤال: أليس الفرح قيمة يجب أن يحتفي بها العمل الدرامي، أو يقدّمها بعمل مستقلّ بحدّ ذاته؟
ومع هذا فبعد فائض التألّق لدرامانا وانتشارها عربياً، ولفتها للانتباه عالمياً، لم يعد بالإمكان الاستهتار بدقيقة درامية تمر ويتم فيها إغفال تفصيل مهما كان صغيراً، ولا استسهال إيصال المشهد بكامل حلّته الرسمية و أهمها الإضاءة، بعد أن بتنا أصحاب مدرسة تتعلّم منها جميع الدرامات العربية -من أعرقها إلى أحدثها-  في تقنيات التصوير التلفزيوني السينمائي.