بعد انطلاق التجربة.. حوار مع الفنانين نوار البلبل وحسام الشاه:

■ بلبل: لم ينحصر جمهور المسرح يوماً

■ الشاه: أنا متعصب للجمهور خارج العاصمة

تعد التجربة التي قام بها كل من الفنانين نوار بلبل وحسام الشاه رائدة من نوعها، ويرتكز  المشروع الذي يعملان عليه، على تقديم مجموعة من العروض المسرحية في مختلف المحافظات المدن والقرى السورية في كافة المناطق، بحثاً عن جمهور متعطش للمسرح، بحثاً عن متفرج حقيقي، لم يؤمنا يوماً بموت المسرح، أو أزمة المسرح، بل عملا ليكونا مشروعاً مسرحياً من نوع مختلف، بكل الوسائل والإمكانيات المتاحة أمامهما، وقد بدأ المشروع من خلال جولة قاما بها بعرض اسماعيل هاملت/ كللت بالنجاح، وراحا يذرعان طريق الألف ميل، لتظهر باكورة إنتاجهما كثنائي من مخبرهما الخاص في عرض (عالم صغير) وحول العرض والتجربة كان لنا معهما هذا الحوار:

■ هل بدأتم من خلال العمل  الذي تقومون به بالتحضير لمشروع أقرب إلى ريبورتوار مسرحي من نوع خاص؟

■■ نوار: أنا وحسام  لسنا مؤسسة ولسنا تجمعاً مسرحياً، لسنا إلى حسام ونوار كما قدمنا نفسنا في هذا العرض، ربما نكون سالباً وموجباً يؤدي عملنا إلى توليد شرارة كهربائية، نقوم بعمل، والآن بدأنا بمشروع (جدل) معنا محمد آل رشي الذي يشاركنا في تجربة عالم صغير في الإعداد الموسيقي. أعتقد أنه من الأِفضل أن نتكلم أقل ونفعل أكثر وهذا ما نحاول القيام به وهو أفضل لنا وللحركة المسرحية عموماً  وأفضل لما يمكن أن نعبر من خلاله كشباب.

■ لماذا وقع اختياركم على هذا النص أو هذه الموضوعة وفي هذا الوقت؟

■■ يجيبان:  النص ليس خياراً بكل معنى الكلمة بل هو نص ألف لعرضنا وقد كتبنا النص كخيار للوصول بأقل الخسائر إلى صيغة عرض متكامل لنذهب فيه إلى مختلف المناطق السورية ونتوجه إلى جمهور كافة المناطق في سورية المتعطش للمسرح والذي غاب فيه المسرح وقتاً طويلاً عن خشبات وساحات بعض هذه المناطق ونحن نعرف تماماً أنه عند تواجه عرضاً بخمسة ممثلين ولن أقول أكثر فأنا أعرف تماماً الصعوبات التي يمكن أن يواجهوها لضبهم وتنظيمهم، الفكرة بدأت بهذا الشكل أضف إلى أن هذا العرض لا يقدم هذه القصة التي أتحدث عنها بل يجد شخصاً مقهوراً ومعزولاً منفرداً بذاته هذا الشخص كان الخيار الأمثل كشكل له كان خيار المونودراما فنحن نتحدث عن أبو عبده الذي انقطع عن الناس وانقطعوا عنه ولا أعرف تماماً أيهما الأصح وتوجه إلى فلة.

■ بعد تجربتكم السابقة هل تعتقدان أن هذه التجربة تعتبر استمرارية لمشروعكما؟

■■ يجيب حسام: لا أستطيع أن أدعي شرعية هذه التجربة بالنسبة لي، فهي تجربة رولا فتال ونوار وحكيم مرزوقي، أو  فرقة الرصيف كما كانت تسمى. وقد اقتصر دوري في الجولة التي قمنا بها، على التعاون الفني مع شريكي وصديقي نوار بلبل  لتحقيق جزء  بسيط من حلمنا ونرى كيف سيصبح على أرض الوقع.

ويتابع نوار: إن فكرة الانطلاق  في عرض مسرحي إلى مناطق نائية ومتعطشة للمسرح هي المشروع وليس العرض بعينه. فعندما وجدنا التجاوب في تلك المناطق قوياً، ووجدنا أن القدرة على التلقي نقية وطاهرة وحقيقية أكثر بكثير من قدرة المتلقي الدمشقي المفعم بالمسرح.

ويضيف حسام:  ويزيد الأمر أحياناً ويمكننا الحديث عن تشوهات فنية، نتيجة اختلاطه مع أبناء الوسط، فالكثير من الناس يقولون وأنا أؤمن بهذا الرأي أن أسوأ المشاهدين المسرحيين هم أبناء المهنة، تحديداً في عرض مثل عرضنا يتوجه إلى الشريحة الكبرى من الشعب الشريحة غير المثقفة، وهم ناس في حاجة لمشاهدة المسرح في حاجة لمشاهدة ما يشبههم على المسرح.

■ عندما قمتم بخلق الشخصية هل كانت هذه الشخصية ابنة شرعية للواقع أم أنها كانت مجموعة تهويمات ومجموعة شخوص جمعتموها وسميتموها أبو عبده؟

■■ نوار: عندما بدأنا بالكتابة لم نكن نفكر كثيراً بهذا الموضوع. كانت هذه الشخصية حاضرة أمامنا، شخصية نستطيع أن نشم رائحتها نتحسسها، كانت تسيل على الورق بهدوء، شعرنا بها وأحببناها، أما تلك المصطلحات النقدية، إبنة شرعية أو ابنة حرام، إنها شخصية موجودة، في الكثير من الأمكنة وأعتقد أن من حضر العرض استطاع أن يستشعر حرارتها.

يتابع حسام: لا توجد شخصية على خشبة المسرح تستطيع أن تجد مثلها على خشبة الحياة، والعكس صحيح ، أبو عبده موجود، وأستطيع أن أريك نماذج منه من مأذنة الشحم إلى باب الدريب إلى النيرب في حلب، إنه موجود في كل مكان ويوجد في زماننا بشكل كبير، وهو ليس شخصاً يعمل في الدراجات، ليس شخصاً شعبياً، وابن حارة سوقية، كألفاظ وكلغة،  كما اتهمنا البعض وهذه ثقافتنا وثقافتهم في النهاية كأولاد شارع سوري، فأبو عبده موجود كدكتور في الجامعة وأنا هذا ما أراه موجوداً في العزلة التي يعيشها والقهر الذي فيه، بالطبع ليس ابن شارع حقيقي وليس مجموعة تهويمات في الوقت عينه، لكن لو لم يكن أبو عبده يشابه إلى حد كبير عدداً كبيراً من الاشخاص في واقعنا اليومي لما استطعنا أن نجمع في يوم واحد في حمص جمهوراً يقارب الألف متفرج. لا أعتقد أن في دمشق عروضاً يحضرها ألف متفرج، لذلك ولو أننا  خرجنا عن السؤال أريد أن أقول أنني متعصب للجمهور خارج العاصمة، مع احترامي له فهو مثله مثل أي جمهور لكنه شبع من المسرح، الجمهور في المحافظات بحاجة أكثر  للمسرح، وعلى هذا الأساس تنطلق تجربتنا، ومن هنا ينطلق همنا في هذه التجربة.

■ هل تشعرون بأنكم حققتم قفزة في هذا العرض قفزة على  أي صعيد سواءً الأدبي أو الفني؟

■■ حسام : ما حاولت أنا شخصياً القيام به كممثل هو أن أقدم شيئاً جديداً، عما قمت به سابقاً وألاّ أكرر نفسي في أي شخصية قدمتها سواءً أثناء الدراسة في المعهد أو بعد الدراسة، وما أقوله هو ما حاولت القيام به، أما جدة الطرح أو القفزة التي تتحدث عنها فلست أنا من أحددها فالناس هم الذين يفعلون، إحساسي بأنني مغامر في الوقوف في مونودراما، وشعوري بالمتعة على خشبة مسرح القباني الصغيرة والحميمية، وشعوري بالمتفرج الذي قدمنا له سواءً على هذه الخشبة أو في حمص أو أي من المحافظات والمناطق التي سنقدم فيها هو ما يهمني، أن أشعر بأن هذه الجماهير التي تستمتع بهذا العرض هو ما يهمني وليس القفزة التي يمكن أن أحققها الآن في هذه التجربة.

يضيف نوار:تماماً فإن القفزة تكمن في التجربة ذاتها فإن ما نحاول القيام به هنا أن نتخلص من الكثير من الأوهام ونصنع مسرحاً، حلمنا لا يتحقق من الخطوة الأولى، والقفزات التي تتحدث عنها تحتاج الكثير من التراكم، وكما قال حسام، إن من نقدم لهم هم همنا بالدرجة الأولى، وهذه القفزة التي نطمح إلينا أن نتوجه إلى جمهور يفهمنا ويعرفنا.

■ عدتم إلى تقديم مقولة في هذا العرض وإن لم يكن بشكل مباشر، هل تجد أن هذا صحيح خاصة بعد أن تراجع دور المقولة هذه الأيام لصالح الشكل الفني؟

■■ حسام: استغرب هذا السؤال في الوقت الذي اتهمنا فيه بغياب المقولة وبانتمائنا للمسرح الفكاهي، والمسرح بعيد عما ذكرت، اتهمونا بالمبالغة بعيداً عن أي مقولات،  أنا لا يهمني ما سيقال عن العرض أو ما قيل، فأنا متأكد من أنه لو لم يكن هناك ما نود أن نقوله في هذا العرض، لما كنا قد عملنا  لكي نخرج بهذا العرض فهناك بالطبع ما أريد أن أقوله. فلو  لم نكن نريد أن نقول شيئاً من مشروعنا برمته عالم صغير وما يليه لما كنا عملنا، فلسنا منة جماعة أنه لدينا متسع من الوقت في هذين الشهرين لنقوم بعرض مسرحي بما أنه ليس لدينا تصوير تلفزيوني.

■ هناك توجه لإغناء وملء الفراغ في الخشبات المسرحية بنبض جديد، بالشباب، هل تعتقد أن هذا التوجه سيستمر أم أن هناك من سيسقط أمام هذا التوجه؟

 

■■ نوار : بما أن هناك شباباً متحمسين، وإدارات مسرحية تمد أصابع العون -وليس يد العون - للشباب الذين يعملون في المسرح فأعتقد أن هذه التجارب ستستمر. هناك من يقول أن جمهور المسرح قد هجر الكراسي أنا لا أعتقد ذلك أبداً، بل أعتقد أنه دائماً كان هناك جمهور مسرحي لكنه بانتظار عرض يشبهه، بانتظار عرض يشعر به، وعندما يمتلئ الفراغ الذي تتحدث عنه سيعود المتفرجون إلى مقاعدهم، ولن تبقى شاغرة.