دردشات ابحث عن المستفيد أولاً

كنت أسير في إحدى ساحات بيروت الشهيرة، ورأيت جمهرة من الناس يتحلقون حول غادة حسناء، بيدها ميكروفون، وبرفقتها مصور تلفزيوني، وهي تنتقل بسؤالها التالي من شخص إلى آخر:

- من تتوقع أن يتهم ميليس رئيس لجنة التحقيق الدولية، في تقريره المتعلق بقتل الحريري؟

اندسست بين الجمهرة، حتى جاء دوري، أجبتها على سؤالها:

- سورية طبعاً.

انفرجت أساريرها، وأولتني المزيد من الاهتمام. سألتني:

- على ماذا بنيت استنتاجك؟

- لأنها الطرف الأكثر استفادة من وراء قتله. امتعضت وقالت:

- تكلم جدياً وإلا... قلت:

- مهلاً عزيزتي، إن فصل نتائج تحقيق تقرير ميليس، عن الجو السياسي المشحون في المنطقة، هو ضرب من السذاجة والغباء، فالإمبريالية الأمريكية المتحالفة مع الصهيونية العالمية، تتآمر على سورية على رؤوس الأشهاد، وتتهمها برعاية الإرهاب ودعمه هنا وهناك وإرسال متسللين فدائيين إلى العراق و.. و..، ومن أبرز معالم ضغطها قرار الكونغرس محاسبة سورية والقرار رقم 1559، ثم إنها تهدد أمن سورية بالغزو العسكري، كما فعلت في العراق، تنفيذاً لمخططها في إجراء تغييرات سياسية واقتصادية وجغرافية في دول المنطقة، تمهيداً لبناء مشروع الشرق الأوسط الكبير، إلا أن ضربات المقاومة العراقية المؤلمة، التي مرغت عنجهية العسكرية الأمريكية في الوحل هي التي نهتها عن غزو سورية، وعن الوقوع في مستنقع آخر.. قاطعتني المذيعة:

- ماهذا الكلام إنه لايمت بصلة إلى سؤالي. أجبتها:

- بل له كل الصلة والعلاقة... أرجو أن تسمحي لي أن أكمل فكرتي.. وإلا رددت مع الفنانة «صباح»: «وصلتينا لنص البير.. وقطعتي الحبلة فينا» قالت ضاحكة:

- طيب تفضل. فاسترسلت:

- بما أن ميليس هو وثيق الصلة بالمخابرات الأمريكية والصهيونية العالمية، بل ربيبهما أيضاً، وله سوابق عديدة في خدمتهما تناولتها الصحف حديثاً، بسبب سعة ضميره ومصداقيته المطاطية، لذا فلابد من أن يتجه تقريره إلى اتهام سورية مباشرة، أو اتهام أحد الأطراف المتعاطفين مع سياستها الوطنية، بهدف إضافة موضوع جديد يتاجرون به، إلى قائمة الاتهامات السابقة الكاذبة، كذريعة لتأليب العداء ضدها، ووضعها موقع الاتهام. قالت المذيعة:

- هذا ماتتوقعه من تقرير ميل، لكن برأيك الشخصي من قتل الحريري؟

- إنها المخابرات الأمريكية والإسرائيلية التي ترتع بحرية في ربوع لبنان، ولها في كل «قرنة» منه أحباب وأصحاب، من الذين تفاصحوا بألم في تأبيناتهم، ولطموا بحرقة وذرفوا دموع التماسيح، حتى حققوا مآربهم واستفادوا أكثر من الجميع، وقراءة للواقع السياسي اللبناني المضطرب المتشابك تدل على انحسار المد الوطني وغياب شخصيات وطنية من بيوتات عريقة ساهمت في بناء الاستقلال، وطغيان المد الطائفي والكوسموبوليتي المتعاطف مع سياسة أمريكا والغرب الإمبريالي.

حقاً صدقت بوصلة المحققين في كل جريمة قتل التي تقول: ابحث عن المستفيد أولاً.

 

■ عبدي يوسف عابد