لقمان ديركي لقمان ديركي

صفر بالسلوك بانتظار الرجولة

بعد أن نجحت إلى الصف العاشر بدأ هاجس بزوغ ذقني ينتابني، فهي لم تبزغ حتى الآن في حين كان زملائي يتفننون بحلاقة ذقونهم، وكنت منذ طفولتي أحسد الابن الأصغر لصديق والدي لأنه كان يلبس شورتاً يبرز الشعر الكثيف في سيقانه وأنا بلا شعر في سيقاني.. وكنت معقداً من ساقي الرفيعتين النحيلتين، لذلك كنت أرتدي السراويل الطويلة حتى في درس الرياضة، وعندما وصلت إلى البكالوريا ظلت لحيتي ممتنعة عن البزوغ، فتمنيتُ أن أرسب في البكالوريا كي لا أدخل إلى الجامعة دون لحية. وبناء على أمنيتي تصرفتُ، فصعتُ وضعتُ وفعلتُ كل ما يخطر على البال ما عدا الدراسة ولكنني للأسف.. نجحت..

دخلت إلى الجامعة مملوءاً بالعقد خاصة بعد قراءتي لكتاب «اللامنتمي» لكولن ويلسون. و«الغريب» لألبير كامو، و«الوجود والعدم» لجان بول سارتر. وكان كتاب الغريب لكامو مقرراً في منهاج السنة الأولى لقسم الأدب الفرنسي، فازدادت عقدي أنا طالب الأدب الفرنسي المستجد الذي دخل هذا الفرع بسبب عقد والده أي أبي من عدم معرفته باللغات الأجنبية فجرب تعلمها بي.
كان جاري عبد المحسن عديم اللحية مثلي، وكان يحلقها يومياً كي تبزغ، ونصحني بذلك، ولكن لا جدوى، فهناك أماكن كثيرة فارغة في وجنتي، وازدادت عقدي عندما درجت موضة اللحى الطويلة عند الشيوعيين، فكنت أجد نفسي صغيراً أمام هؤلاء الذين يتسلحون باللحى الطويلة تيمناً بماركس وأنجلس وسكسوكة لينين التي لم أستطع تقليدها أيضاً، وعلى الرغم من إعجابي بالاشتراكية والشيوعية فقد قررت وبسبب عدم بزوغ لحيتي أن أكون وجودياً لأن سارتر كان حليق الذقن.
واستطعت خلال فترة وجيزة أن أُعرَف بكوني وجودياً، وقد استلمني أحد الشيوعيين، واسمه صلاح برو في النادي العمالي، وناقشني في المفاضلة ما بين الشيوعية والوجودية، وكنت أستفزه، وأفضل الوجودية من دون أن أعرف شيئاً عنها كوني لم أفهم شيئاً من كتاب الوجود والعدم، وكان صلاح يعرف عن الوجودية الكثير، ومن معلوماته التي كان يرميها كي يثبت أفضلية الماركسية كنت أتسلح وأواجه وأناقش باستماتة حتى انقسمت الطاولة إلى قسمين أحدهما معي أنا الغر طالب السنة الأولى الذي بلغ بالكاد السابعة عشرة من عمره لأن أبانا يوسف كاتو رفض أن أدرس الصف الأول ووضعني في الصف الثاني مباشرة، فزرع فيَّ عقدة الصف الأول التي عوضتها بأن جلست أربع سنوات في السنة الأولى من قسم الأدب الفرنسي.
كانت اللحى منتشرة بشدة في تلك الفترة، وكان أصحابها يتفننون بتشذيبها وتهذيبها، المتدينون من جهة، والشيوعيون من جهة، بينما كنت أمشي بينهم دون لحية ألحق برجولتي الهاربة..
وبزغت لحيتي، ولكن لحية خفيفة يجب أن أحلقها على الدوام كي لا تظهر عيوبها، فهي موزعة بشكل سيئ وقليل على وجهي.. ومرة نسيت حلاقتها لأيام، فقال لي محمد آله رشي: «احلق لحيتك لأنك إذا لم تحلقها لن يظن الناس بأنها لحية بل سيظنون بأن وجهك وسخ»... وتعقدتُ أكثر..
سنوات وسنوات مرت، وانهار الاتحاد السوفييتي، وحلق الجميع لحاهم، ونسيت عقدتي إلى أن قالت لي حبيبتي: لا تحلق ذقنك، فانصعت لرغبتها، وخرجت بعد شهرين من البيت بلحية فوضوية وأنا أسمع جملة واحدة من الجميع: «ياي.. شو حلوة دقنك.. متل دقن غيفارا»..