لقمان ديركي لقمان ديركي

صفر بالسلوك الهوية الضائعة

لا يمكن معرفة حجم الضياع الذي يعيشه الإنسان الجزائري إلا إذا عايش المرء ذلك، فالجزائري الذي ينتمي إلى الهوية الأمازيغية أو القبائلية اندمج نصف اندماج مع العروبة فتحدث بالعربية والقبائلية إلى أن نسي نصف الجزائريين أو اكثر اللغة القبائلية واكتفى بالعربية التي أضحت اللغة الرسمية للبلاد، معتمداً في ذلك على اندماجه الكامل بالإسلام، والإسلام لغته الأدبية عربية، ومنشؤه عربي، بالإضافة إلى أن الرسول العظيم عربي، وإلى هنا فالمسألة بسيطة فالضياع اختياري، حب شديد للإسلام وبالتالي رغبة بتعلم اللغة العربية بل وتكريمها بجعلها لغة أولى بطريقة أو بأخرى،

ولكن قدوم الإستعمار الفرنسي وتبليطه لمدة 130 سنة دفع خلالها الشعب الجزائري مليون ونصف المليون شهيد فقط ليثبت بأنه لا يريد هذا الإستعمار، حتى خرج الفرنسيون واستقلت الجزائر، وبعد الإستقلال وجد الجزائريون أنفسهم بعيدين عن اللغة العربية بعد أن كان الإستعمار الفرنسي فرض التعليم باللغة الفرنسية طوال تلك المدة، فكانت النتيجة أن أصبحت الفرنسية لغة أولى، وضاعت الشخصية الجزائرية وتمزقت من الداخل، فهي لم تعد تعرف من هي وما هي لغتها وبالتالي أحلامها وطموحاتها وتحالفاتها واستراتيجياتها، كما أن طيبة الشخصية الجزائرية وتمسكها بجذورها يشعرها بالإحباط في لحظات من الزمن لم تستطع فيه الشخصية الجزائرية بالإمساك بزمام الأمور،فالجزائري في قرارته لا يريد أن يحرق مراكبه الإسلامية والأمازيغية والعربية ويمضي إلى فرنسا كما يحدث كل يوم عبر الهجرات الشرعية وغير الشرعية، لكن متطلبات المواطنة العالمية تتطلب غير ذلك، والجزائري بطبعه يريد أن يكون موجوداً وفاعلاً، وأيضاً المشاكل الأخرى التي لا بد منها في البلدان تبعنا من بطالة وعطالة وفساد وفقر لها دورها في النزوح نحو فرنسا والحلم بالإقامة فيها ولو كان الثمن سنوات وسنوات من الشغل بالأسود أو الأعمال السوداء، وبالطبع فالفرنسيون سيرحبون بهذا النوع من الهجرات ، خاصة وأنهم يحتاجون إلى اليد العاملة، ويفضلونها من المغرب العربي على السنغال والكونغو ومن لف لفهم من جماعتنا الأفارقة الدراويش.
وإذا كان المغاربة والتوانسة لا يعانون بهذه القسوة من تبعثر الهوية وتمزقها فهذا لا يعني شيئاً سوى أن الجزائري لا يتعامل مع الحياة بالنفعية المباشرة ، فهو يحتفظ في داخله بسؤال الهوية حتى لو كان في أسوأ أحواله، ولكن لا جواب لديه الآن، فالإسلام يأخذه إلى منطقة مختلفة عن التي يأخذه إليها الغرب، واللغة الفرنسية تأخذه إلى مناطق أخرى تأخذه إليها اللغة العربية، ومن البديهي أن لا نتساءل عن سر غياب الثقافة الجزائرية عن النسيج الثقافي العربي وغربتها عنه، إذ أن المبدع الجزائري بات محبطاً وميّالاً إلى العزلة، باستثناء المتسلبطين على الكار من المدعومين الذين تجدهم في كل الساحات العربية دون أية التماعة تاركين للمبدع الجزائري الحقيقي الظل في الجزائر والغربة في الوطن.