محمد المطرود محمد المطرود

دائماً دمشق عاصمة للثقافة

دمشق أخت المدن وأمها جميعها، خلقتْ قديمةً كأثرٍ سحري، ليست بسبعة أبواب، بل بأرواح كثيرة، لا تتحصن أمام عشاقها خاطبي ودها، وهي ككائن أمير، عمرها ليس 5000 عام، هي تمتد فينا كأرخبيلات من التذكر، والحنين إلى أسلاف نحبهم شكلوا ذاكرتنا الجمعية، كأنهم بيننا يحملون النبراس في العتمة، عتمة أرواحنا وعتمة الأزقة في (دمشق القديمة) كيف يمكن لمدينة أن تكون للجميع لاغريب فيها ولا غربة، لا مالك لها إلا هؤلاء الداخلون  كفاتحين لهوائها وسمائها، السماء التي لا تستملَك، ولا صكوك ملكية يحوزها أحد يمكن إبرازها أمام محكمة أو أرواح تعلق كالرائحة أو الغبار على جدرانها، نتصورها على أنها الحاضرة الوحيدة في زمان ما، فندخلها بحقائبنا المعلقة على أكتافنا، ونتخيل أننا بشر قديمون، وأصحاب مكان، نشعر برهبته، ونحترمه على أنه تغيَّر بعض الشيء و لم ينسنا، شعور غامض يريحنا من حقائبنا، فنودعها تلك النقطة المضيئة المحيرة في ذواتنا، لنعلم أننا أشخاص مرحب بهم ضيوفاً طارئين، أو أناساً برغبات كامنة في البقاء عمراً يفوق أعمارنا، وأجسادنا بميكانيكيتها.

كل المدن التي نتعرفها كمدن بأعمار طويلة لها أرواح تعيش بيننا، وهذه لا تغير أسماءها، وإن تغيرت أو تخفَّت، تسكنها الدلالات العابرة المجاز إلى الحقيقة.

دمشق رئة العالم ومنبع الريح النظيفة، ومنبع الماء السلسبيل، ما أن تتذوقه، تبقى في عطشك الأزلي، لايرويك سواه وإن غببت من غيره، فلأنك تحمي روحك العاشقة من انفلات قد تمارسه.

أقول لا التسميات ولا الأحداث تغير وجه المدينة، فلا نتعرفها، وإن كانت دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008 العام الذي غادرنا بالأمس، فدمشق عاصمة ثقافة دائماً، أم حضارة، منذ أن مر على أرضها الكبار التاريخيون، وبورك بأرضها، هذا ليس حباً بالمطلق، بل لأني، ولأننا نحبها، ما يجعلنا نفكر كيف يمكن أن نسحب الحدث/ التظاهرة على حياتنا بحيث نكون ممتنين للمناسبة وغير أسيرين لها، ننتهي بانتهائها، نشبه في ذلك لهب القش (المبهر) الذي لا يدوم، وعلى التظاهرة بعد أن هدأت أن تخلق أسئلتها المشروعة بمصداقية، تأخذ الحب بنسبة، والموضوعية بنسبة أكبر، ترى هل نجحنا مع العنوان العريض: الثقافة.. لاسيما أننا وقفنا أمام آخر عربي سبق ومر بالتجربة، وهل استقطبنا فعاليات ذات قيمة وتأثير، استطاعت انتشال ثقافتنا المصابة بالشللية والمحسوبيات، وأنقذتنا من أخطائنا الكبيرة في حياتنا الثقافية  أو التي نسميها تجاوزاً (ثقافية) بحيث خلقنا ثقافة تلقّ، وثقافة حوار، وثقافة جديدة تلغي هيمنة سدنة المحافظين، بحجة الإرث الحضاري، والتراث، والأصالة، هؤلاء إن هززتهم تكتشف أن هذه المفردات لا حامل يحملها وهي عبارة عن هياكل مفرغة بقيت في سطوتها، لأن الأسئلة المستفزة لم تطلها أو أنها تمترست خلف متاريس العفة والدفاع عن ثقافة الوطن (المحاصر)؟!

وإذا كنا قد رأينا صحوة إعلامية فهذا يحسب لإعلامنا السوري، مزاملته لتظاهرة دمشق عاصمة للثقافة العربية، صحوة لم تكرس حالة إعلامية قادرة على الإيحاء بتلبس الأمر كخطوط عريضة ونسق، يمكن استثماره فيما بعد لترويج وتسويق الثقافة السورية، سورية الوطن الثاني لكل إنسان كما عبر أحد المستشرقين وإن كان حديثنا عن معانقة العربي والوقوف عند إنتاجه، بالمقابل هناك إنتاج إبداعي سوري، طموحنا أن يقرأ قراءة صحيحة فيعرَف مكاننا على الخريطة الثقافية، باعتبار الثقافة حسب (السيد) صموئيل هنتنغتون أس الصراع بين الحضارات، لم نر في دمشق عاصمة للثقافة العربية تنبهاً لحقيقة من هذا القبيل، وإن لم نكن مناطقيين أمكننا القول إن دمشق أخلصت لعدد من المنتجين (الثقافيين) سوقوا ضمن ما تم تسويقه على أنه الأفضل (وجه السحارة) في حين سقطت المحافظات/ الأطراف من الحسابات، وإن حضرت، حضرت على استحياء، من باب المجاملة، أو العلاقة الشخصية مع أحد المعنيين، وكأن دمشق وأرباب منابرها لم تر في غيرها ما يستحق أن يكون جزءاً منها ضمن الآلية التوافقية والمحاصصات، وبالتالي كنا أمام تنوع حقيقي لو تم إيلاء بعض الأصوات المهمشة أذناً ولو لحين، وما ضرنا لو كانت دمشق سيدة التنوع، ليس من باب دمشق أو أبوابها المفتوحة على قلوب سكانها الطيبين الذين مرتهم الاحتفالية كإعلان مطعم أو سلعة كاسدة.