من التراث الشعبي في الجولان ما بقي.. أناشيد الأرض والخصب والحب

من التراث الشعبي في الجولان ما بقي.. أناشيد الأرض والخصب والحب

يعترف الكاتبان (محمد خالد رمضان وعبد الله ذياب الحسين) في محاولتهما توثيق وتسجيل ما تبقى من التراث الشعبي في الجولان لقرابة مليون نازح طردتهم العصابات الصهيونية قبل 43 عاماً، يعترفان بقصور المحاولة وصعوبة تسجيل مجمل هذا الملحمة الإنسانية التي شوهتها السنوات الطويلة، وغربة البيئة.

(لا يخفى ما للنزوح من أثر سلبي على التراث الشعبي، الإنسان، أولاً لطول المدة، والبعد الزمني عن المكان، فالنزوح حصل عام 1967 أي مضى عليه زمن طويل، وخلال ذلك مات الكثيرون من كبار السن من الرجال والنساء، واكتسب الباقون عادات وقيماً جديدة).

 يحاول الكاتبان في هذا الكتاب «من التراث الشعبي في الجولان» (إصدار الهيئة العامة السورية للكتاب) تسجيل فصول من الذاكرة المتبقية لأجيال صنعت لغتها وغناءها وحكايتها، يرويان تفاصيل حياة الفلاح وعلاقته بالأرض والحب، والعمل، وكذلك نكاته وقصصه، وحكاياته الأسطورية، غزله، وكذلك كيف أوجد آلات غنائه التي تتناسب مع الصوت واللحن والبيئة، الرقص ومواويله، الأمثال الشعبية..كل هذا متصلاً مع التراث الإنساني لسكان بلاد الشام.

ومن الأمثلة التي يسوقانها وتتصل بالمكان وتوثق لوجود الإنسان فيها فاعلاً ومبدعاً:

شالت شالت شيلت

عاجمال أبوها شيلت

ويومن شيالوها

عالبطيحة ميلت

وهذه الألحان التي تغنى بإيقاع بطيء، ويمكن أن تغنى سريعاً، وتعكس نوعاً من الحميمية المفرطة لسكان الأرض التي علمتهم الحب بعذوبة:

عالبابا يا جويد يا بابا                               هلك ربوك لقليبي عذابا

هلك ربوك وأني اللي اشتريتك                   بألفين ريال والباقي ذهابا

عالدوم عيني عالدوم

 شو جاب مبارح لليوم

مبارح الدنيا شوب

واليوم برودة للنوم

واللي زلمتها غايب

تهير وسايد للنوم

أما ما يشترك به سكان الجولان مع سواهم في المنطقة فهي الدلعونة... ترنيمة عشق عابثة:

شفت حبيبي عالكرسي قاعد              ملفلف دياته ساعد عاساعد

الله يعين الشب المتواعد

سهران الليالي محروم النوما

على دلعونا والشب مدلل

ذبح العجايز من الله محلل

ولعندو ابنبة يكبسها مخلل

يكثر عليها حامض ليمونا

الغزل:

أكثر الألحان شهرة ودوراناً على الألسنة «يا ظريف الطول» وهي اللازمة التي مازالت تتردد في الأعراس والأفراح، ولم يقطع صداها سنوات النزوح الطويلة، ولا التداخل مع بيئات جديدة.

يا ظريف الطول يا بو عيون نعاس

بلكي عايدك ويصير الخلاص

واني مثل الطير المحطوط بقفص

مقصص الجنحان منين أطير أنا

أشوف الزين يغمزني بعينه

جرالميل من عيني لعينه

أحمد يا صغير ياربي تعينه

وتكبر واجبه بين الشبابا

أما أغاني العمل فكانت تتلازم مع سنين الخير والقحط، صنعتها الظروف المناخية، والغنى الروحي، والعلاقة المتجذرة مع الأرض التي هي مصدر الرزق والبقاء.

يا الله يا مرزق الطي

في ظلام الليل

يا الله يا مرزق الدود

من حجر الجلمود

يا مطعم الهاجم والناجم 

واللي نايم على خروبة زره

في الحراثة تغرق الكلمات كائنات مؤنثة... التربة والمرأة، الأرض الخصبة، ونهد المرأة في ثنائية تفصح عن نضوج الفكرة، ووضوح العلاقة.

يا غزيل طالع طالع

نهد البنية دالع

يلعن بي المزارع

نسوني الحبيبا

وعندما ينحبس المطر، تصير الأغنية أدعية لهطوله، في استسقاء إيماني ووثني للسماء، استمطار متصل بالحب:

يالله الغيث ياربي

تسقي كريمنا الغربي

يالله المطر يارشاش

يالله العرايس بلاش

في الحصاد تكتمل الدائرة النتيجة، ويصبح المنجل معزوفة عشق، وعتق، في هذا الموسم الأخير من رحلة إنتاج الغذاء، ينبلج الدعاء:

منجلي يا منجلاه

راح للصايغ جلاه

ما جلاه إلا بعلبة

والعلبة راحت عزاه

منجلي يابو رزه

شو وداك لغزة

وداني حب البنات

ابحشولو وغمقولو

خلو آذانه مبينات

منجلي يا بو الخرافش

منجلي بالزرع نافش

وهناك أيضاً أغاني الرجيدة، والدارس، والتذرية، وجمع الحطب واللقاط، والدق بالميجنا، والجرش، والسليقة.

 كذلك العجين والخبز، وصناعة اللقمة المقدسة التي استغرقت الصوت والروح:

يا ظريف الطول تنده يالطيف

ماني مجنون ولا عقلي خفيف

مين يحب الله يعطيني رغيف

من خبز الزينات يكفيني سنة

ولا يترك الكاتبان روح وخلاصة هذا التراث، العبارات الجزلة التي تختصر التجارب، وتاريخ العلاقات المتنوعة لإنسان الجولان، فالأمثال الشعبية عصارة التجربة:

عند ما يخسر غير القاعد

ازرع شكار وقول ياستار

السهم الداشر صاحبه خاسر

اللي طبعّ طبع واللي ربع ربع

احرث على حمار أعرج ولا تقعد تتفرج

بزرع زيوان بطلع كرسنه

الدنيا مع الواقف مابزيد غلتك غير همتك

الحصيدة مرة بس البيدر صعب

وشملت الأمثال كما الغناء باقي أعمال الفلاحة كالحصاد والرجاد والتذرية..الخ.

أما بقية التراث المحكي، وما تبقى منه، وما استطاع الكاتبان توثيقه فهي (الحزورة):

(والحزيرة بمعنى من المعاني هي الأحجية والحزازير هي الأحاجي).

ومن الشواهد على الحزازير التي يضربها الكاتبان:

شي وشي وتحت الأرض مندحشي بيخر خرير المي وتسمعو آفات الوحش – وتعني الطاحون

شي برق برق وتخبا بين الورق – وتعني السيف

تفاحة تنتين شافوها وعشرا قطفوها وثلاثة أكلوها ونزلت بقلب واحد- وتعني العين واليد واللسان

شي بدور بدور وبحط فوقو صبور- الخلد وهو حيوان حقلي لا يظهر في النهار.

وتنتهي الدراسة السريعة في سرد لأبواب تكمل الحكاية الجولانية (باب المعتقدات الشعبية- الحكاية الشعبية- خصائص اللهجة في الجولان)...ولكن يمكن القول أننا أمام جهد رائع لتسجيل ذاكرة وتراث منطقة من أخصب مناطق الشرق ذاكرة وتراثاً ولكنها تحتاج إلى أكثر من هذه الخلاصة.