«ما ملكت أيْمانكم» بعيداً عن الضجة المفتعلة... مبالغات وتنميط وإثارة
منار ديب منار ديب

«ما ملكت أيْمانكم» بعيداً عن الضجة المفتعلة... مبالغات وتنميط وإثارة

صخب إعلامي كبير رافق عرض مسلسل «ما ملكت أيمانكم» وغبار كثيف أثير حوله   حجب إمكانية المشاهدة المتجردة للعمل، وتركزت المناقشات المثارة على الأفكار التي يطرحها لا على المسلسل بحد ذاته، فدافع من يتقاطعون مع طروحاته عنه باستماتة دون أن يلتفتوا إلى الثغرات التي تعتريه، وكذلك فعل من يضعون أنفسهم في موقع الضد، وهذا التخندق منع النظر الهادئ إلى «ما ملكت أيمانكم»  الذي لا يعني توجيه النقد له التعبير عن موقع فكري معين بالضرورة.

يهوى مخرج المسلسل نجدت أنزور الموضوعات الإشكالية، وسبق له أن قدم مع الكاتبة نفسها (هالة دياب) عملاً بعنوان «الحور العين» الذي تناول موضوعة الإرهاب، كما قدم «سقف العالم» في عز أزمة الرسوم الدنمركية المسيئة للإسلام، هذه الموضوعات تضمن اهتماماً إعلامياً وتسويقاً جيداً، لكنها لا تعني المشاهدة العالية ولا النجاح الفني.

التنميط هي الكلمة المفتاح في «ما ملكت أيمانكم» فتكفي مجموعة من المظاهر الخارجية في اللباس والحركات واللغة المستخدمة لاختزال حالات إنسانية وحضارية أكثر تعقيداً، فالحجاب بحد ذاته قد لا يعني شيئاً وهو يحتمل مروحة من الدلالات، وتلقي دروس دينية أو النشأة في أسرة متدينة لا يفرز أنماطاً سلوكية واحدة، والكبت العاطفي والجنسي يمارسه الجنسان في المجتمعات المحافظة بغض النظر عن المظهر ولا يقود ذلك إلى سلوكيات منحرفة أو قاسية، على الأغلب تجري حالة من التأقلم، فيما يكمن الحل المناسب في الزواج، وهو متاح لفتاة متدينة مثل البطلة ليلى (سلافة معمار) بل أن العامل الديني يمنح قدرة أكبر على التوازن، وهذا ما لم نره في المسلسل، لأن الكاتبة أرادت تقديم نماذج توضيحية ليفهم المشاهد أن التزمت يقود إلى نتائج عكسية.

بالانتقال إلى الشخصية الرئيسية الثانية توفيق (مصطفى الخاني) نجد الغرائبية تصل أبعاداً غير مسبوقة، فلدينا شاب متدين يمتلك محلاً لبيع العطور، ويملك سيارة فاخرة، والمفترض أن الأحداث تدور في دمشق اليوم وتمتد إلى سنوات قادمة، هذه الخلفية الاجتماعية المستقرة والعريقة هل تنتج تطرفاً وانحرافاً! لكن ما نشاهده أن هذا الشيخ الزائف يقيم علاقتين غير شرعيتين ويتسبب بحمل إحدى الفتيات، مع أن الطبيعي مع معطيات كهذه أن يتزوج سراً بعقد عرفي أو رسمي ولاشيء يمنع من زواجه العلني حتى لأكثر من مرة، وإذا لم يكن الرادع دينياً وأخلاقياً حتى لا يصل إلى ما وصل إليه فإن الرادع الاجتماعي يعد كافياً، عائلة الفتاة التي تحمل مثلاً جاء رد فعلها غير واقعي بالمرة، وقدرة توفيق على التملص كانت عجيبة. ثم مع النشاط السري لتوفيق وارتباطه بجماعات مسلحة تصبح الصورة فاقعة أكثر، فأين يحدث هذا بالضبط في الوقت الحاضر، مع تحديد زمان ومكان، ومن النادر أن يأتي أعضاء الجماعات الإرهابية من خلفيات اجتماعية مماثلة، كما أن التدريبات القتالية العلنية التي تتم قريباً من أماكن مأهولة تعتبر ضرباً من الجنون، كل هذه البديهيات يضرب الصفح عنها ويجري البحث عن الاستثنائي والنافر إن وجد في الواقع كما يدعي المخرج الذي يتحدث عن شخصيات حقيقية، مع أنه والكتابة يزعمان تقديم ظواهر وحالات عامة.

ثمة لون أصفر في العمل وبمعزل عن تلك المبالغات المذكورة، هناك فيض من الفتيات الجاهزات للانحراف، ولأنه عمل درامي تعبر عن شخصياته عن شرائح ولكل من أبطاله صفة تمثيلية لقطاعات أوسع فإن صورة المجتمع المقدمة المفترض أنه مجتمعنا تبدو مرعبة.

نسيب الهشيمي (عبد الحكيم قطيفان) يبدو طالعاً من فيلم مصري تجاري فرجل الأعمال الذي يرغب بدخول الندوة البرلمانية، يفعل كل ما من شأنه أن يسيء لسمعته ويؤذيه عبر صلات تتراوح بين كونها مشبوهة وبين كونها خطرة أمنياً، وعلاقته بجماعة توفيق وحرصه على إرضائهم تفترض أن لهؤلاء ثقلاً وازناً، أما قصة شذوذ ابنه المقحمة فلا تزيد عن ولع من المؤلفة لرمي كل الشرور في وجه المشاهدين دفعة واحدة، على اعتبار أن هذا هو واقعهم أو ربما هي الإثارة فحسب.    

الكاتبة المقيمة في لندن يبدو أنها تستمد مناخاتها من صور ذهنية وأفكار مجردة أبعد من أن تنطبق على واقع نعرفه ونعيشه، أما المخرج الذي قدم عملاً مميزاً في «ذاكرة الجسد» لن يبقى في الذاكرة من مسلسله «ما ملكت أيمانكم»  إلا المعارك والردود وقصاصات الصحف.