وائل الدهان لـ«قاسيون» : الاعتبارات الوصائية غير الفنية غرّبت الفن عن المجتمع

وائل الدهان لـ«قاسيون» : الاعتبارات الوصائية غير الفنية غرّبت الفن عن المجتمع

ببليوغرافيا:
فنان تشكيلي، أكاديمي، محترف اشتغل على تقنية النحت الخزفي، من مواليد دمشق 1969، ودرس في كلية الفنون الجميلة قسم النحت. عضو اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين ومدرس لمادتي الخزف والنحت في العديد من المعاهد السورية
رئيس قسم الخزف في معهد الفنون التطبيقية بدمشق، وله العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل سورية وخارجها..

ما الذي جذبك لاختصاص النحت في الفنون الجميلة؟

عندما استحدثت كلية الفنون الجميلة في سورية في ستينيات القرن الماضي جرى الإستعانة بأوربا وروسيا.. الخ، تم الاشتغال على محورين: التكنيك (كيفية صب البرونز مثلاً وغيرها من التقنيات)، والثاني الفكر الأوربي- الذي كان ناضجاً نوعاً ما في تلك الفترة، حيث جرت محاولة للمزاوجة بين الفكر الأوربي والسوري.

السوري يأخذ من حضارة الآخرين لكنه لا يأخذها خالصة بل يعمل على الدمج والمزاوجة بين أفضل ما في العالمين، عالمه «القديم» ممثلاً بتراثه من جهة، والجديد الذي يتعلمه من الخارج من جهة أخرى، ونشأت في تلك الفترة نواة أنتجت وأفرزت فناً متطوراً بسمات سورية، يوازي الفن العراقي والمصري الذي كان يسبقنا نوعاً ما. ولكن لاحقاً جرى انقطاع في هذا التطور لأن من أرسلوا في بعثات للخارج وأصبحوا لاحقاً قيمين على الفن، لم يكونوا مؤهلين وليس لديهم أفق. ويكمن السبب في طريقة اختيارهم والتي خضعت لاعتبارات (حزبية أو سياسية ضيقة) وليست فنية، وقد اصطدم كثير من الفنانين الحقيقيين بالعقلية المتحجرة لهؤلاء مما أدى لانسحابهم قسراً أو انكفاء بعضهم، بحيث عملوا على تطوير فنهم بعيداً عن بنية المجتمع، وكل ذلك أثر سلباً على تطور الحركة الفنية التشكيلية السورية المعاصرة، وأنتج أشخاصاً ليس لهم علاقة بالفن ومفاهيمه، يحافظون على مصالحهم الشخصية أكثر من الحفاظ على مصالح المجتمع الفني، ويجيرون كل شيء لمصالحهم بدلاً من العمل على بنية المجتمع. 

وبرأيك هل هذا ما جعل الفنانين السوريين نخباً بعيدة عن هموم المجتمع؟

الشخص الذي أخذ فرصة غيره في أن يصبح قيماً على الفن، والمعنيون بالتغيير، ابتعدوا، أو أُبعدوا، ليكسبوا أنفسهم على الأقل، مما أدى لهذا الشرخ بين الفنان التشكيلي والمجتمع.

ارتبط الفنانون بالمجتمع بـ«منطق الحرفة»، فالفنان يشتغل على فنه الخالص، ولكن الناس كانوا يستسيغونه، وكان هذا الفن الشعبي الذي ارتبط بالناس، فارتقى بهم وارتقى الفنان معهم أيضاً، وعندما صار هذا الشرخ، وابتعد الفنان عن الناس، كان يعتقد أنه سيرفع الناس لمستواه ولكنه بالنتيجة كان مضطراً لأن يتراجع بفنه تحت ذريعة ضرورة أن يفهمه الناس.

أنا اشتغل على الفن التركيبي المرتبط ليس فقط بالكتلة والفراغ، وإنما أيضاً بشيء له علاقة بالإضاءة والصوت.. الخ، بينما عندما أعمل تمثالاً ذا أبعاد، يستطيع الناس تقييمه بأن تقول (أحبه أو لا أحبه) ولكن ليس هناك مجال لأن تقول لم نفهمه. الفن التركيبي يتعلق بمنطق آخر له علاقة بالفلسفة أكثر. وهناك أمثلة كثيرة عليه. في أوربا عندما رُفع شعار أن البلاستيك يغطي المكان كبيئة، قاموا بتغطية مساحة 50 هتكاراً من الأشجار بالبلاستيك الشفاف وأغلقوها بحيث تكون هذه دعوة للتأكيد على أن هذا الشجر أصبح بلاستيكاً، لأن البلاستيك يغطي الأرض، وهذا يخلق إمكانية لفهم الفكرة، بمعنى أن يكون للعامة وعي، يمكنّها من فهم الفن. حتى أن هذا خلق إشكالية عند الفنانين الذين انقسموا حول ضرورة الشرح أو الاكتفاء باستقبال الفكرة من الناس بينما شعر البعض الآخر ببعد الناس عنه وبدأ يعمل عليهم.

وماذا عن التجربة مع الخزف؟

تاريخياً الخزف كان له شقان، الشق التطبيقي النفعي (صحن وفنجان وأبريق.. الخ) ويوازيه الشق الثاني التشكيلي (تماثيل وغيرها). وهناك من اشتغل على الاثنين، وزاوج بينهما (جرة وفوقها تمثال) ولكن عندما انحدرت الفنون، اضمحل الشق التشكيلي وبقي التطبيقي هو السائد بالخزف، بينما بقي النحت في الشق التشكيلي.

الخزف هو مادة تصنع منها أشياء وأدوات نفعية. في عشرينيات القرن الماضي ظهر في أوروبا تيار أكد على أن الخزف مادة للتعبير وليس فقط للاستعمال، فهو مثل الحجر والبرونز وغيره يمكن أن تجرى عليه بحوث فنية وتكون له علاقة بمادة تشكيلية..

في التاريخ الحديث لسورية لم تجر الاستفادة من الخزف، كفن، لصعوبة شغله وحاجته للمواد والتحضير والمستلزمات غير المتوفرة كالأفران وغيرها، إذ لا توجد مصادر طبيعية واسعة الانتشار والتداول للمادة كما في الصين مثلاً حيث توجد المواد الخام في السوبرماركت، بينما نضطر نحن لاستيرادها مما جعل الفنون الأخرى كالنحت والرسم تتطور ويبقى الخزف في مجال التطبيق.

بالنسبة لي ارتبطت جذوري بالخزف فجدي كان شيخ كار بهذا المجال، وهذا ما ولد فكرة المزاوجة بين النحت والخزف عندما درست، واستمرت وقد عملت عليها أبحاثاً.

بهذا المعنى، ماذا عن مصير الخزف في سورية؟

لا يوجد لدينا خزافون كثر في كل سورية فهم يعدون على الأصابع. والمشكلة أن الدولة لم تساعد على تطوير هذا المجال، حيث يجب أن تنجز دراسات لتطوير بنية المجتمع على مستوى الاقتصاد أو البيئة.. الخ. المشكلة أن القيمين على مسألة الثقافة اشتغلوا بمنطق فردي وليس جماعي رغم استحداث مراكز ثقافية وغيرها من الأدوات ولكن لم يجر التفكير ببنية عامة للفنون والاستفادة منها في الصناعة، من خلال المزاوجة بين الفنون والحرف والتجارة كما حدث في بلدان أخرى.