ماذا يمكن لنّا أن نخسر بعد؟

ماذا يمكن لنّا أن نخسر بعد؟

ها هو أسبوعٌ يمر بطيئاً ويمضي، جاعلاً الحديث عن ضربةٍ عسكرية -محتملة-  مجرّد كابوسٍ مشوشٍ مزعج.  ساعات من الترقّب أمام شاشات التلفاز، نومٌ مضطرب وشعورٌ  بأن كائنات خفية تتسلق أسرّة النوم قبل أن ينتفض الجسد مستيقظاً،  قلقٌ تطرده قوةٌ مفاجئة ورغبة في الصمود.

من أين أتت تلك القوة يا تُرى؟ ألم نتعب بعد؟ وذلك الشعور العميق بالخوف من الخسارة ما مصدره؟ ماذا يمكن لشخصٍ فقد منزله وشقيقه أو ابنه وعمله أن يخسر بعد؟

كان سيخسر وطناً.. هذا هو الجواب الذي بدا شديد الوضوح والبداهة في أذهان شريحة واسعة من السوريين، ربمّا ظن الكثير منهم في السنتين الماضيتين بأن «الوطن» كما كانوا يعرفونه ذهب دون عودة، «راحت البلد»، تلك العبارة التي تكررت آلاف المرات مصحوبةً بتنهيدةٍ عميقة. لكن وإن كانت البلاد ذهبت فعلاً، فمن ماذا  كان الناس حقّاً خائفين؟
سادت في الأيام الماضية  قناعة في الأوساط الشعبية بأن الضربة، وإن حصلت، فلن تستهدف المدنيّين بصورة أساسية، أوليس العصر عصر الصواريخ الذكيّة والأهداف الذكيّة والتقنيّات الأخرى الذكيّة؟! ثم إن أمريكا لن تجازف بتوريط نفسها أمام الرأي العام الأمريكي والعالمي بارتكاب مجزرةٍ، كانت ستحاول توجيه ضربةٍ نظيفةٍ محددةٍ لأماكن حساسة، ولذلك يصبح السؤال مُلحّاً مرةً أخرى: ما الذي خافه الناس؟
لم تكن المخاوف متعلّقة هذه المرّة بالأمن الشخصي أو الممتلكات و المزيد من الموت، فالحرب والمعارك الدائرة بين أطراف الصراع  كانت كفيلةً بكل ذلك!
وبخلاف توقّعات المحللين والمنظّرين والعديد من السياسيين الذين راهنّوا منذ البداية بأن المزيد من القتل والفوضى والدمّار سيكّرس الشعور بالهزيمة وضياع الطريق، ما يجعلهم يائسين ينتظرون «المخلّص» أياً كان. بدت الصورة هذه المرّة أشد وضوحاً: فالناس ضمدوا جراحهم، ولمّوا ما تبقّى من حاجاتهم، ودّعوا موتاهم وأكملوا المسير مدركين بأن المعركة معركتهم وحدهم ووحدهم من سيكملها ويختار وجهتها، الخسائر لم تراكم المزيد من الخسائر ، بل راكمت المزيد من الوعي! وعي  مختلف ازداد جرعاتٍ صغيرة، يوماً بعد آخر.
لم يصدق الكثيرون في البداية ما يجري: راقبوا  التصريحات السياسية النارية تذوي ثم تنطفئ، شاهدوا «صناع القرار السياسي» يتخبّطون ويجعلون من أنفسهم أضحوكة عالمية، ألم يكونوا منذ عدة سنواتٍ فقط كليي القدرة؟!.
 لم يفهم الناس ذلك الشعور الذي اجتاحهم بالنصر! هو نصرٌ صغير، جزئي، لكنّه نصرٌ على أي حال. هو نصرهم أم مجرّد هزيمةٍ لأعدائهم؟
يكفيهم أنهم مازالوا يستيقظون كل صباح، متمسكين بمطالبهم بالعيش الكريم والحرية والعدالة، وهم يراقبون المجالس والهيئات والتنسيقيات واللجان الشعبية تضيق عليهم كثوبٍ قديم، يكفيهم نصراً بأنهم مازالوا حتى هذه اللحظة يبحثون عمن يمثّلهم وينطق باسمهم وهم مستعدون لاستبداله وتركه يذهب هائماً وحيداً إن خيّب ظنهم، وأنهم سائرون في هذا الطريق إلى نهايته وحدهم.. يكفيهم نصراً.