سليمان العيسى..  الشاعر والمعلم

سليمان العيسى.. الشاعر والمعلم

«لا إنسانية بلا شعر. ومهمة الكلمة أن تتحول إلى طاقة، إلى فعل. إن الكلمة ليست مجرد شكل لفظي يتألف من حروف وايقاعات صوتية. إنها جزء لا يتجزأ من وجودنا، من حقيقتنا، من سلوكنا اليومي. وإذا لم تحمل الكلمة رصيداً من هذه الحقيقة تظل شيئاً يدور في الفراغ ولا يترك أي أثر. إن الكلمة هي الإنسان.»

ليس من الغرابة أن تنتمي تلك الكلمات لـ «سليمان العيسى»، إنها قليل من خلاصة تسعة عقود ونيف من حب الشعر وشغف الكلمات، ضربت جذورها في أرواح متابعيه من كل الأعمار فكان بحق المرشد الأمين لعوالم جديدة شعرية ونثرية والمدافع الصادق عن قيم التراث الشعبي الحقيقي المتمرد على لغة القصور وأحاديث السلاطين.
وُلد الراحل في لواء الإسكندرون، درس في بغداد، وعاش في حلب ودمشق وصنعاء، فغرف من تنوع الثقافات الكبير، وأفاد في أكثر من مناسبة بأنه كان مشدوداً إلى التراث في الفترة الأولى من نتاجه. وكانت ظلال القرآن، والمعلقات، وديوان المتنبي، تحيط به في كل قصيدة يكتبها. ولكنه ما لبث أن انفتح على عوالم جديدة وتعرف بشغف على الآداب الأجنبية وشعراء الغرب.
لكن الملمح الأبرز في مسيرة العيسى أنه كرّس حياته الأدبية للكتابة للأطفال، حتى أنه حين كتب سيرته الذاتية «وائل يبحث عن وطنه الكبير»، كتبها موجهة للأطفال. قال: «ماذا يعني الأطفال؟.. يعني المستقبل. والكتابة للأطفال كانت بالنسبة لي الهروب إلى المستقبل، نوعاً من التشبث بالمستقبل، التشبث بالحلم نفسه الذي حملته». فبدأ يكتب القصص القصيرة والأناشيد المدرسية الاجتماعية والتربوية والتعليمية التثقيفية في إيقاع غنائي ساحر. يعرف كيف ينقل هذه الأفكار والأحاسيس النبيلة عن أقرب الناس للطفل في سهولة وبساطة. فجاءت الألفاظ دقيقة، قوية الإيحاء، مشحونة بالأحاسيس والعواطف، فيها اللفظة الرشيقة الموحية، الخفيفة الظل، البعيدة الهدف، التي تلقي أنواراً وألواناً، وتترك أثراً عميقاً في النفس، ومن منا قادر على نسيان الموسيقا الساحرة لأنشودة «ماما ماما» مهما بلغ به العمر؟
 عمل كموجه أولَ للغة العربية في وزارة التربية السورية لعدة سنوات، ويجزم الكثيرون ببعده عن السلطة، ولا يخفون تبرمه من بعض ممارساتها في العقود الأخيرة، ويذكرون بإخلاص توجهه القومي المدافع عن قضايا بلده العادلة ونشاطه الحزبي البعثي في أيام تأسيسه الأولى، واستحق في النهاية إجماع أقرانه على تقدير دعواته الرائدة في الإخلاص لقيم كثيرة تكاد تضيع في حياتنا الأدبية الراهنة. يريد لغة تستجيب للناس، لآلامهم وأفراحهم، لملايين الهموم الصغيرة والحاجات اليومية. يريد كلاماً بسيطاً جميلاً مشدوداً بأوتار جديدة تعزف أنغاماً بلا هلهلة ولا نشاز. يريد أطفالاً أصحاء أقوياء لا يشكون فقر الدم، مؤمنين بقوة اللغة العربية التي تحمي تراث أمة منكوبة ممزقة و تقيها من الزوال..