روحوا صوروا بسويسرا

روحوا صوروا بسويسرا

في كل يوم، وعلى امتداد ساعات النهار، تأخذنا صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في تجارب جديدة، ونندمج يومياً مع الآلاف من الصفحات تبث كل جديد ومثير، إنه عالم شيق بالفعل، وللجميع حصة عادلة فيه، نراها على «حائط» كل مشارك ومشاركة في هذه الظاهرة العالمية،

لكن ما يثير القلق بالفعل هو مدى ارتباط هذه المواقع بالخطوط العريضة للمفاهيم الثقافية اليومية الشعبية ومدى ارتهان عقولنا لذبذبات الشاشات الإلكترونية.

لكلٍ صفحته وموهبته وشخصيته الفيسبوكية، تحددها صورته الشخصية وصفحة اليوميات، لكن ما أثار فضولي بالفعل هو كثرة الدعوات التي تلقيتها على صفحتي والمختصة حصراً بالتصوير الفوتوغرافي، شباب مغمور في مقتبل العمر غدوا ببساطة مصورين فيسبوكيين مرموقين ومع تراكم هذه الدعوات كان لابد من الخوض أكثر في هذه التجربة الرقمية الجديدة، حيث أفضت النظرة الأولى  إلى ارتهان معظمهم بأداة تصوير فخمة ترقب كل ما يمتد أمام أنظارهم دون أي تمييز، لنحصل في النهاية على آلاف الصور المزخرفة والمعدّلة والمحسنة في عبثية سطحية للغاية، مع هامش بسيط  لبعض الأعمال المميزة التي تذوب بسرعة في زوبعة هذه الموضة الجديدة.
هي تذكرتهم إلى خانة  «المثقف» كما يظنون، لذا فمن المؤكد أن السطحية ستكون سيدة الموقف، حتماً هم ينأون بذاتهم «المثقفة» خارج دهاليز الأزمة والحرب في البلاد من منطق لا يشهرونه يتلخص بـ«أن المثقف هو مراقب خارجي» تصل مشاركاته «الوطنية» سقف المجاملة «الصورية»، ولا تتجاوزه عن طريق علك شعارات ودعوات بعيدة كل البعد عن ذواتهم في إطار جديد جذاب لا يحمل أي التزام حقيقي بالقضية الأم وسيختفي مع هدوء ضجيج هذه الموجة، لذا ظهرت سطحية وسذاجة الكثير من الأعمال على شاكلة «بورتريهات» للصديقات الصبايا، أو الأصدقاء الشباب «الكول»، أو قد تكون أقرب لغلاف دفتر مدرسي أو جامعي لشركات الدفاتر العريقة ذات الواجهة الثمينة الملونة وكأننا نشاهد إعلاناً على إحدى المحطات الأوروبية.
لعبت وسائل التواصل الاجتماعي لعبتها، فلا حكم هناك ولا أحكام، وكان لها دور كبير في التسويق الخاطئ، فلكل من أولئك «الفنانين» صفحات الإعجاب الخاصة به، ولذلك يكون قد حقق الشعبية المطلوبة والتي هي المطلب الأساسي والأهم لتحقيق«أناه» الخاصة به. كما أدى ضعف الإطلاع على هذا الفن الراقي وغياب أكاديميات إتقانه في بلادنا وافتقار دور العرض المناسبة لعرض أعمال قد يستقي منها البعض ركائز هذا الفن علمياً.. إلى تشوه كبير في فن التصوير الفوتوغرافي وأصبح الكثير من هذه الأعمال المستمدة من واقع الأزمة السورية والتي تندرج بحق تحت إبداع هذا الفن خارج إطار التقييم، أو حتى العرض.
عذراً أحبائي نحن في سورية، سورية الأزمة التي تضرب كل الأبواب، نأسف لأنكم خلقتم هنا، فقد تتلطخ كاميراتكم المذهبة بالأوحال والدماء، سواد الواقع ورمادية الحقيقة أكبر من عبثكم بالكاميرات، فـ«روحوا صوروا بسويسرا»..