المثقف بين القول.. واللافعل...
س . ح س . ح

المثقف بين القول.. واللافعل...

«إن الإخلاص في السياسة أو في مجال العلاقات البشرية هو التطابق الذي لا تشوبه شائبة بين ما يقوله المرء و ما يفعله» لينين
يكثر الحديث و يحتد النقاش حول واقع المثقف ودوره الاجتماعي الريادي، وتمتلئ الصفحات الرقمية والإلكترونية يومياً بالكثير من التحليلات والتصورات حول حقيقة المهمة الملقاة على عاتق أفواج المثقفين العرب، على وجه الخصوص، في مواجهة التحولات المتسارعة في الوعي والتفكير البشري لمجتمعاتهم، مما سمح للعديد من «المتثاقفين» بالتسلل إلى منابر الدعوة الثقافية، وأمعنوا في خلط المفاهيم وحجب الرؤية، مما ساهم في حياد البوصلة الثقافية عن ملامسة جروح الشارع والتعبير الصادق عن هموم الناس اليومية. يملك المثقف قدراً من المعرفة يؤهله للنظر إلى الأمور من منظور شمولي موضوعي، ويزرع فيه بذرة الالتزام الفكري والسياسي، وبالتالي يتوجب على تلك المعرفة أن تولد لديه موقفاً معيناً من قضايا أمته، وأن تفصله عن جمهور المتفرجين الصاغرين من أبناء محيطه، وعندها يتحول موقفه الثقافي المنطوق أو المكتوب أو المصور إلى مهمة إنسانية تنهض بالجموع، وتنير الطريق، وتؤمن ذلك الالتصاق المنشود مع الحركة الجماهيرية عن طريق تبني توجهاتها والإشارة إلى هفواتها، حتى لو كلفه ذلك الوقوع في عزلة اجتماعية نتيجة بعض الصعوبات الاقتصادية أو تسلط قوى كبرى على حقوقه الفكرية، والتي تتمثل بالكثير من الأحيان بالتوجه الفكري الإقصائي للنظام السياسي الحاكم في مجتمعه. يتساءل البعض هنا: «أين المثقف العربي من هذا؟»، فتبدأ عندها الإشارة إلى الكثير من الصعوبات التي تعاني منها الحركة الفكرية العربية، ويخلص إلى أن هذه المشكلة لم تكن يوماً أحادية الجانب بل هي امتداد لأزمة المجتمع العربي ككل، لكن هذا التعميم يتجاهل حالة التباين والتناقض الفكري والاقتصادي والاجتماعي لشرائح المثقفين والتي تطفو على السطح منذ عقود، وتبدأ جهود بعض المثقفين الملتزمين بالضياع في دوامة الصراع بين الاتجاهات التغريبية المتقمصة لقشور الثقافات الأخرى من جهة، والسلفية المتطرفة في غلوها ورفضها للانفتاح والتنوير من جهة أخرى، وتسحق الموضوعية الفكرية تحت مطرقة مثقفي السلطات القمعية، وسندان المأجورين العملاء من الكتبة والمفكرين، وتبتعد الحركة الفكرية تدريجياً عن جمهورها وتفقد ثقة الشارع بقدرتها على التغيير وتغرق في الانتهازية والتملق، وتحل الاستعراضية البلاغية والزئبقية الفكرية مكان الأقوال والكتابات العقلانية المستندة إلى معاناة الناس ومطالبها، وتفقد الحركة الفكرية ديناميكية الفعل وحيوية الممارسة لتتحول ببساطة إلى حبر على ورق. يربط المثقف قوله بفعله، يرى أن دفاعه عن الجماهير هو دفاع عن نفسه، فهو المؤمن برسالة التغيير والتواق إلى نشر تلك الرسالة بعيداً عن كل رياء، وهو المؤتمن على صياغة رؤية موضوعية ونهضوية للواقع والمستقبل، لتسطع كل كلمة من كلماته منارات تنير الطريق في عواصف الشرق القادمة.