لــــقاء الأزرقـــين
لارا ياسين لارا ياسين

لــــقاء الأزرقـــين

مُسرعاً عَادَ إلى بيتهِ ليجدَ أنّ  المكانَ الذي اختاراه خَذلهما أيضاً . ! ..».  بجنونٍ كانَ يَبحثُ عنهما بينَ الرُكامِ ويَصرخُ  : «سناء حبيبتي وينك،  شمس يا بابا ردّي


فوجئ بجسدٍ  لم تعد تُعرف معالمه مخفيٌّ تَحتَ الأنقاضْ !
هو فقط مَنْ يَعرفُ ذلكَ الثوب الذي اشتراه لها بعيدِ زَواجِهما الرابع منذ شهرٍ، تَوقفَ كُلُّ شيءٍ فيهِ، هي سناء الحبيبة، الصديقة، العشيقة، الأم، الأخت، الفرح والأمل، هي سناء كلّ ما بقي له من دنياه.
سَمِعَ أصواتاً أَيقظَتهُ مِنْ إِغمائِهِ اللّحظي: «يا سَاتر شو هاد؟».
التفتَ بحركةٍ متأرجحة كانتْ «شمسهُ» تغط في نومها العميق مع ألعابها كما العادة، لكن هذه المرة بشكلٍ عشوائي أكثر حيثُ لم يُعرف مَنْ يَضمُ مَنْ، و نومٌ لمْ تَستيقظ مِنهُ أبداً . . .
أخذَ يتجول بين أطلال المكان،  متجاهلاً كلّ الأصواتْ التي تُحاولُ أنْ تُواسيهِ على مُصابهِ، تَاركاً لدموعِهِ كُلَّ الوقتْ، لعلها تُطفئ الجَمرات المتناثرة فوق ما بقي من أغراض بيته، تركَ لها العنان ربما تَستطيعُ أنْ تُغرقَ هذا اليومَ بأكملِهِ وكَأنّهُ لَمْ يَكن.
هناكَ كانَ واقفاً، هو الوحيدُ الذي بَقي صَامِداً أَمامَ القذائف التي هَوتْ على المنزل، أَخذَ يتلمسُ بقاياهُ بشغفٍ وكأنّه يَجمع ضَحكاتٍ همساتٍ وقبلاتْ . . .
حملَ بابَ منزلهِ الخشبي وخَرجَ يمشي ويمشي.. لم يستمع لِما كان يُقالْ له وبما كان يَصفهُ مَنْ تَوافَدَ إلى المكان ليُرضي فُضوله ويكونُ شاهدِاً على مأساةٍ أُخرى وأُخرى
أمسكه جاره أبو ابراهيم  قائلاً: «هاد قضا ربك هنن بالجنة شهداء، يا لله يا ابني الحي أبقى من الميت، خلينا نشوف كيف رح ندبر أمور الدفن واتركلي هل الباب الله يرضى عليك».
نظر لعينيهِ الغائرتينْ ولذكريات الحياة المحفورة على وجهه، ومشى بخُطاً مسرعة، ثُمَّ بدأ يركض إلى أنْ ابتعدتْ الأصوات التي كانت تناديه.
تَوقفَ قليلاً ونَظرَ إلى الخلفْ نظرةَ وداعٍ غاضبْ وعادْ ليمشي..
يمشي وينقلْ الباب من وضعيةٍ لأُخرى، تارةً يضعه على رأسه وتارةً على جانبيه وأُخرى يَجرّهُ خَلفهُ، تواسيه صور زواجهما خلسةً وانتقالهما للعيش بجانب البحر وتفاصيل صغيرة مركونة في الذاكرة تتقافز أمام عينيه تفرحهُ لِهُنيهاتٍ.
ها قد وصلتْ يا سناء قالها بصوتٍ عالٍ، هي الجملة الوحيدة التي نطق بها مُنذُ أن عاد إلى منزله.
وعند التقاء الأزرقين وعلى الرمال التي تستعرض قدرتها على ابتلاع ماء البحر توقف.
أركى الباب قُربَ صخرتين صغيرتين وجلسَ فوقهما، كانت الشمس لا تزال تُلاعبُ تشكيلات الغيم وتُغازل أمواج البحر اللعوب.
ـ بتعرفني شو بحب البحر
 «طيب وبما إنّوا أهلك رافضيني نهائياً، وأهلي ما بدن ياكي شو رأيك نتزوج ونسكن بعيد عنن»؟
فتح يديه وضمها وكأنهما في لقائهما، أحسّ بقبلتها وبحرارة جسدها الذي كان يطيرُ من الفرح آنذاك.
كانا من طائفتين مختلفتين لكنْ الحبّ الذي جمعهما لثلاثة أعوام  لا يقف أمام تفاصيل لا أهمية لها بزواجهما. قالا لكلّ الناس بأنَّ هذه العاطفة الخفية القوية تُرمم كلّ الصدوع، فقط شاهدونا ما أجملنا وتعلّموا.
قُطيراتٌ من الماء أعادتهُ من ماضيه، نزل عن الصخرة وبدأ يرسم حدود بيته على الرمل بأصابعه ثم حَفر حُفرةً على طول الباب نَزِلَ إليها وصرخَ: «بحبكن انطروني»
وأغلقَ الباب.