قَسَـــم التـــخرج

قَسَـــم التـــخرج

قبل بضعة أيام كنت وفي حديث عابر حدثني أحد الأصدقاء عن آراء بعض الكتاب في نوعية الأعمال الدرامية المقدمة إلى الجهمور السوري، وتذكرت حينها القسم الذي أقسمته بعد تخرجي، لا تستغربوا فبعد التخرج نقسم قَسَم التخرج مثل الأطباء عندما يقسمون قَسَم أبقراط، والمادة الثالثة من قسمنا نحن المخرجين هي احترام الفكر والسعي للارتقاء به، عكس ما كان يطالبني به صديقي، فمن وجهة نظره لا يجب علينا الارتقاء بفكر مشاهدنا، وخاصة  أننا متَّهَمون بتحميل الأعمال التلفزيونية أعباء أكبر مما يجب..

فكِّروا بما يقول صديقي هذا، لا أخفيكم، لا أستطيع أن أنتقد ما يقوله وأنا أرى واقع ما يحدث أمامي، ربما كان عليَّ شطب هذه المادة من قسم التخرج، والهبوط دون مستوى فكر المشاهد، عندها تباع أعمالي وتزداد كراسي المشاهدين أمام شاشات التلفزة، الحق معك يا صديقي، بل سأشطب القسم كلّه، عندها سآكل لقمةً أطيب وألبس بشكل أجمل، نعم عندها سآكل على طريقة «السينييه» وألبس بشكل أنيق... «العمى شو حوبة، هلأ بعد 12 سنة من رجعتك لبلدك فهمت!!!، مو شايف حالك كيف عم تاكل لتعيش، وتلبس بس لتخبي عورتك!!!، حللك تفهم بقا، شق هالشهادتين اللي رجعت فيهن، وكبللي شهادات الخبرة تبعك، شو بدك بهل قصة يا معلم!!».
عذراً يا أبناء بلدي، ليتني لم أُقسم، وعندما أقسمت كنت أجهل واقع الفكر في بلدي، فكر عند تبديل أحرفه يتحول إلى كفر، يناقشني بلغة القنابل والقذائف، يخط حامله بحبره الأحمر تاريخ حاضري، لا لا لا، والله ما أشهى هذه اللقمة التي آكلها رغم تواضعها، أتأملك يا مكدوستي اللذيذة، فأنت أصالتي لا بديل عنك حتى
 أشهى وجبات KFC يا للمهزلة، لم يعد السوري قادراَ على قلي دجاج بلاده، ليأتي الأمريكي ومن مقاطعة كنتاكي الحنون ويقليه لنا على طريقته هو، وبمنكهات يرفضها دجاجنا، ويكاكي بوجه قاليه بكبكيك من هون»، أي انقلع من هنا، فنحن أرقى من أن يمزقنا فكركم هذا، ولا نقبل لغتكم هذه بحواراتنا، فمن يطالبنا أن نتقزم أمامه ليرى عملاق جهله، نجيبه لن نتقزم، وأعيد قسم تخرجي وأكتب مادته الثالثة بخط أبرز، سأحترم فكرك أيها المواطن، وسأسعى للارتقاء به رغم العبء الذي تحملني إياه هذه المادة وهذا القسم.
سآكل ما اعتدت أن آكله في بلدي، وليس لأعيش فقط، وسألبس ما يليق في مجتمعي وليس لإخفاء عورتي، فعورة فكرهم لا يخفيها شيء ولا تنجب سوى أجساد برؤوس خاوية، سأعاود الكتابة بما يراه ضميري المهني صحيحاً، وسأترك باب منزلي مفتوحاً آملاً أن يأتي يوماً من يتبنى كتابات تليق بك أيها المواطن، لتشاهدها على شاشات التلفاز، حينئذ سأنتقد نفسي، ليتني أرتقيت أكثر، أعدك بأنني سأرتقي، وأكتب قسم تخرجي على كل حائط، أنا مواطن سوري، تحمل جيناتي أهم حضارات التاريخ، لن أكون إلا هذا.
• مخرج سينمائي