المثقفون بين الأزمة والحلّ
نسيب عبدالله نسيب عبدالله

المثقفون بين الأزمة والحلّ

هل يتوقع التربويون والإعلاميون أنّ الأغاني الوطنية و«التربية القومية» والشعارات المعزولة عن التطبيق تستطيع أن تغذي المواطن وتدفئه وتؤمن معيشته وإحساسه بالعدل والمساواة؟

يُسأل المثقفون السوريون، منذ اندلاع الأزمة، عن مواقفهم وماذا فعلوا ضدّ «المؤامرة» أو ماذا فعلوا من أجل «الثورة»؟ لكن قلّما يسأَلون ماذا فعلتم من أجل حلّ أزمة وطنكم وشعبكم. هل يلد هذا الزمن جيلاً جديداً من مثقفين سوريين ثوريين لا يرتزقون من إرضاء طرفي الأزمة المتشدّدين؟ لا شكّ أنّ هناك سؤالاً يلح على كلّ مثقف وكفاءة علمية، أستاذ جامعي، طبيب، مهندس، محامي.. إلخ، ولا سيما أولئك الذين يملكون القدرة المادية والفرص للسفر أو الهجرة خارج البلاد، وهو هل ترك البلاد في أزمتها والبحث عن الخلاص الفردي يعتبر ضرورة وحق طبيعي ليعيشوا حياتهم، أم هو خيانة؟! وتختلف الإجابات، فالبعض منطلقاً من أنانيته لا يهمه سوى البحث عن مصلحته الشخصية، دون أن يعذبه ضميره، في حين يتذبذب آخرون ويصيبهم الرعب حتى من مجرد التفكير في هذا السؤال. بينما حسم فريق ثالث أمره وقرر الصمود ومواصلة النضال مع شعبه ومساعدتهم ومشاركتهم في السراء والضراء.


صعوبات موضوعية لا شك أن البلاد تمر بمرحلة عصيبة للغاية من أزمتها التي اندلعت منذ أكثر من سنتين، فعدا عن الأزمة الأمنية والموت بالنار والحصار والتجويع، تتفاقم الأزمة أكثر بسبب الحرب الاقتصادية التي يصعدها العدو الأمبريالي الصهيوني وعملائه من الفاسدين الكبار في بعض «النظام» وبعض «المعارضة» وفي المجتمع المنهك. لكن هل تقتصر المشكلة على «ضمير» المثقف، أوليس الضمير بحد ذاته و السلوك الاجتماعي انعكاساً لنمط كامل من التربية والثقافة وعناصر الحياة المادية ومدى تطور علاقات الإنتاج؟


ماذا نتوقع أن ينتج نمط العلاقات الرأسمالية التابعة والمتخلفة وبنية الدولة الريعية ضعيفة التنمية والنمو، والذي تعزز في سورية بعد تبني السلطات السورية للنموذج الذي قدّمه العدو الإمبريالي في الاقتصاد، الليبرالية الجديدة، التي سببت الإفقار والبطالة والتوتر الاجتماعي ومن ثم السياسي والأمني؟


هل يتوقع التربويون والإعلاميون أنّ الأغاني الوطنية و«التربية القومية» والشعارات المعزولة عن التطبيق تستطيع أن تغذي المواطن وتدفئه وتؤمن معيشته وإحساسه بالعدل والمساواة؟


ما هو انعكاس انعدام العدالة الاجتماعية، وانعدام المساواة حتى في اللاحرمان، حيث المليارات تسرق من حفنة من الفاسدين، مقابل الملايين بين نازح وجائع وعاطل عن العمل، ما هو انعكاسه على قدرة المواطن العامل المعدم, والجندي المقاتل، على الصمود؟


فما بالك بالمثقف البرجوازي الصغير الذي يملك، مثل الرأسمالي والفاسد الكبير أيضاً خيارات وقدرات أكثر على الهروب من الواقع؟
لن تنتهي الحرب لن تنتهي الحرب بمفاعيلها السلبية المدمرة للبلاد والمشردة للشعب، إلا باتخاذ إجراءات حرب على المستوى الاقتصادي، فالحالة وصلت إلى عنق الزجاجة، فإما أن يفنى العشرات من الفاسدين الكبار الذين يستحقون اليوم توصيفهم بـ «مجرمي حرب»، إذ لا يختلفون أبداً عن أي إرهابي مسلح، بسبب استغلالهم ظروف الأزمة لزيادة نهبهم وأرباحهم بالتواطؤ المباشر أو غير المباشر مع الخارج الإمبريالي-الصهيوني، وإما أن يستمر نزيف الملايين من الشعب السوري وكادحيه.


إنّ التوازن الدولي الحالي حتى وإن لم يسمح بتحقيق ذلك على المدى القريب، إلا أنّه سيؤمن انتهاء الحرب بالمعنى العسكري للكلمة والانتقال إلى مرحلة سياسية، وحرب جديدة، ستكون وطنية حقاً إذا أعيد الاصطفاف السياسي والشعبي على أساس طبقي، وعندها سيكون النصر للشعب وكادحيه بلا شك.