وانطفأ فانوس عبد الستار ناصر
خليل صويلح خليل صويلح

وانطفأ فانوس عبد الستار ناصر

أنا على يقين كامل، بأنني سأكف عن الكتابة يوم جمعة، أو نهار سبت، كل نفس ذائقة الموت، وأنا أعرف أن أسوأ ذنب اقترفته طوال حياتي هو أنني ما زلت حياً»، هذا ما قاله عبد الستار ناصر (1947 ــ 2013)، في حوارٍ قديم معه، وقد صدقت نبوءته أخيراً.

«رحل أول من أمس بعد صراع طويل مع المرض، في منفاه الكندي. كان القصاص والروائي العراقي الراحل، أحد أبرز أبناء جيله، وأكثرهم غزارة وتنوعاً وتجريباً في حقول السرد، منذ أن أصدر مجموعته القصصية الأولى «الرغبة في وقت متأخر» أواخر ستينيات القرن المنصرم، إذ اعتبره غسان كنفاني، واحداً من أحسن كتّاب القصة القصيرة، و«الكاتب الذي يجوس بفانوسه عالم الطابق السفلي من المدينة». وهذا ما أثار رعبه من جهةٍ، وفتح عليه أبواب جهنم في حملة شتائم، من جهة أخرى. يعترف صاحب «بعد خراب البصرة» (2000) بأنّ معلمه الأول هو أرسين لوبين. في حي «الطاطران» البغدادي، وسط الخرائب، اكتشف عالم القراءة، قبل أن يلتفت إلى تشريح حياة القاع بكل أوجاعها وعالمها السرّي، في مكاشفات جريئة، ومن دون ندم، بعدسة مفتوحة باتساع.

الحياة المفتوحة التي عاشها بصخب بين مطارات العالم، انتهت به في تسعينيات عراق الديكتاتورية إلى السجن، إثر وشاية تتعلق بتأويل قصته «سيّدنا الخليفة» أمنيّاً. في كتابه «الهجرة نحو الأمس» (2010)، يروي فترة الخوف والهلع، وكيف كان يخفي كتاباته على أمل أنها ستبصر النور ذات يوم، فيوثّق يومياته في قبو للاستخبارات العراقية طيلة سنة كاملة، من دون أن يختلط بأحد: «تمكنت من كتابة قصة قصيرة عن ظهر قلب، أكتب جملة ثم أحفظها، وبعدها سطراً ثم أحفظه، وحين خرجت من قبو الاستخبارات كان أول شيء أفعله هو أنني كتبتها على الورق خوفاً من نسيان بعض مفرداتها». ما أن خرج من المعتقل حتى غادر بغداد إلى عمّان، في العام 1999، وهناك رتّب أوراقه المتناثرة، واستعاد «سوق السراي» (2002)، و«شارع المتنبي» (2004)، و«مقهى الشابندر» (2005)، و«الطاطران» (2007)، بالإضافة إلى سيرة الكتابة، في «الهجرة نحو الأمس» في ثلاثة أجزاء. هنا يمزج عبد الستّار ناصر بين سيرة النص المكتوب وحياة المؤلف، خلال تجربة شخصية تمتد أربعة عقود، فيتواشج زمن الكتابة مع ذكريات شخصية وأوجاع وموت ومسرّات وأسرار. انطفأ عبد الستار ناصر، وظلّ محاطاً بالزوابع، فهو كما يقول عن نفسه «أنا والقصة القصيرة عاشقان سقطا من طائرة محترقة بمظلة واحدة».