«400 ضربة» ... فرانسوا  تروفو المراهق

«400 ضربة» ... فرانسوا تروفو المراهق

في عام 1959 قام فرانسوا تروفو-الصبي الذي تخلى عنه أهله، والقارئ الشغوف، والتلميذ المنحرف- بكتابة وإخراج أحد أكثر الأفلام تألقاً في الموجة الفرنسية الجديدة، «400 ضربة» التي يجسد فيها الفتى أنطوان دونيل (جان بيير لواد)  بشكل مكثف صراع العقل الفطن مع بيئة غير متفهمة ، بما يشبه السيرة الذاتية لطفولة المخرج تروفو.

 

في عام 1959 قام فرانسوا تروفو-الصبي الذي تخلى عنه أهله، والقارئ الشغوف، والتلميذ المنحرف- بكتابة وإخراج أحد أكثر الأفلام تألقاً في الموجة الفرنسية الجديدة، «400 ضربة» التي يجسد فيها الفتى أنطوان دونيل (جان بيير لواد)  بشكل مكثف صراع العقل الفطن مع بيئة غير متفهمة ، بما يشبه السيرة الذاتية لطفولة المخرج تروفو.

 يعتبرفيلم تروفو هذا نقطة تحول من الكلاسيكية الفرنسية إلى الحداثة، إذ شكل الركيزة الأساسية التي تأسست عليها  الموجة الفرنسية الجديدة، والتي ظهرت في فرنسا من مجموعة من المخرجين الشباب بهدف صناعة أفلام بطرق جديدة، وكان ترفو من مؤسسيها،وتعتمد على نبذ أفكار الأفلام الكلاسيكية بميزانيات بسيطة، إذ يتهكم تروفو على الأفلام ذات الميزانية العالية قائلاً: « سيأتي يوم، أجعل كل النقاد السينمائيين يمدح أحد أفلامي عندما أرغب تبذير أموالي!».

وتأثرت الموجة الجديدة بمجموعة من المخرجين الأمريكيين: أورسن ويلس، نيكولاس ري، جون فورد، ألفرد هيتشكوك  وروبرت التريتش.

فيلم «400 ضربة» قصة مؤثرة  تجسد حياة ومغامرات المراهقين في ازدحام وصخب مدينة باريس، «أنطوان»  طفل في  الرابعة عشرة من العمر يعيش في منزل ضيق يتقاسم زواياه مع والدته الشغوفة بنمط عيش ترف مستحيل المنال، وزوج والدته البسيط الساذج .

ترتسم ملامح الصدق والنقاء والحساسية  في وجهه وهو العاشق لكتابات  بلزاك الكاتب الفرنسي الواقعي، حتى أنه صنع نصباً تذكارياً له في فراغات حائط الممر حيث وضع سريره.  يتعرض  «أنطوان» للمعاملة السيئة من قبل الأهل في الوسط الداخلي والمدرسة في الوسط الخارجي، وهو الحساس  والطامح لكل أشكال التميز والحرية،  طفل لا يقبل المهانة معتد بنفسه رغم الانكسارات، نراه يحاول في إحدى المرات أن يقتبس من ملهمه بلزاك خلال فرض الإنشاء المدرسي، فيعاقب على هذا الجموح من المدرس التقليدي، ويهرب من العقاب ليبدأ رحلة الكذب والتشرد بعدها، إلى أن تصل به الأمور إلى سجن الأحداث بقرار من والديه.

يُظهر ترافو التناقضات في عوالم حياة «أنطوان»، الزاوية الضيقة والهادئة المخصصة له في المنزل الصغير والمساحات الشاسعة الصاخبة التي تشكل ملعباً له ولصديقه «رينيه» عند التجوال في ساحات باريس وشوارعها وما تمثله من هواجس الحرية للبطل.

بين السكون والحركة في قسم الشرطة حيث يمنع الحراك والكلام تارة، والانطلاق فراراً هارباً من السجن في المشهد الأخير، إلى حين وصوله إلى البحر الذي لم يشاهده من قبل تارة أخرى. هنا ينتهي الفيلم  بالتركيز على وجه «أنطوان» وهويركض ويركض.. وجهه إلى الكاميرا يبوح لنا من خلاله بالحزن والألم والتوق الكبير إلى التحرر من القيود المادية والمعنوية التي تكبل حياته، من الفقر والتفكك الأسري ومواجهة النظام التعليمي التقليدي الصارم وعوائق أخرى يفرضها المجتمع ، وتكبح جماح أي محاولة تفرد وتميز عند مراهق صغير مرهف الحس.

• «400 ضربة» فيلم من إنتاج عام 1959.