جنديّات الاحتلال يتعرّين لاستقبال العام الجديد

جنديّات الاحتلال يتعرّين لاستقبال العام الجديد

في غرفة عمليات مظلمة يتوسطها مكتبٌ مكتظ بالأوراق والخرائط العسكرية، يُسمع صوت ينبئ المشاهدين بأنّ «أحد أكبر أسرار الجيش الإسرائيلي على وشك أن يكشف». عوضاً عن «السرّ العسكري الخطير»، تظهر امرأة تحلّ ياقة قميصها، وتكشف عن صدرها المكتنز. يأتي ذلك في إعلان ترويجي (2 د.) لعلامة MTKL الإسرائيليّة، المتخصّصة بتصميم أزياء وإكسسوارات مستوحاة من جنديات جيش الاحتلال، والمأخوذ اسمها عن اسم إحدى وحداته الخاصّة.

من أجل الترويج لمنتجاتها، لجأت العلامة المذكورة إلى تصوير جنديّات إسرائيليات، بهدف في صناعة روزنامة إباحيّة للعام 2015.يعرّف الإعلان بالجنديات/ العارضات بوصفهنّ «مسلحات، خطيرات، لا يهبن شيئاً، مدربات لمواجهة الخطر كل يوم. ولكن عندما يتوقف القتال، يشكّلن أخطر قوة عرفتها البشرية». يستعرض صانعو الفيديو صور الجنديات، بسراويل قصيرة أو قمصان مفتوحة تحمل كلها شعارات جيش الاحتلال، وتستخدم اللون الكاكي، والأقمشة العسكرية. وفي الصور، تتحوّل الخوذة ومشط الرصاص وأدوات التعذيب إلى مجرد إكسسوارات. تمّ تجميع تلك الصور في الرزنامة الخاصة التي توثّق أشهر قصص الجنديات، مع ملخص عن مسيرة كلّ واحدة منهنّ في «الخدمة العسكرية»، و«مكافحة الإرهاب».

في الشريط الترويجي للرزنامة، يؤكّد أحد المصممين المسؤولين عن المشروع بأنّه تمّ اللجوء إلى «مقاتلات حقيقيات قمن بالكثير من المهام العسكرية». يشجع الناس التبرّع لمشروع التقويم السنوي هذا، باسم «الحرية والحياة وقضاء الوقت الممتع». من هذا المنظور، يتعدى الشريط كونه إعلاناً تجارياً، ليصبح مشروعاً فنياً وسياسياً، لخدمة الكيان الإسرائيلي. ذلك ما يظهر جلياً في العبارة الأخيرة من الشريط: «النساء اللواتي يعرفن كيف يستخدمن المسدسات، ويقدن العمليات، ويحاربن الإرهاب، هنّ مقاتلات ماهرات نهاراً، و«سوبر عارضات» ليلاً. عندما تمتلك رصاصةً واحدة فقط، لا بد أن تكون الضربة قاضية». يعلن الشريط إذاً المساهمة في حرب «إسرائيل» «المنفتحة، والجميلة، والمثيرة»، على «الفلسطينيين الإرهابيين».
على القناة الرسميّة للعلامة المذكورة على «يوتيوب»، يشرح صانعوها تفاصيل المشروع. يقولون إنّهم جابوا صفوف الجيش الإسرائيلي بحثاً عن نساء مختارات، من بنات «شعب الله المختار». فيما يكتب أحد الإسرائيليين معلقاً على الفيديو: «بعد شهرين فقط من نهاية حرب غزة، وجدت إسرائيل طريقة جديدة لإظهار روعتها وجمال شعبها». وكلّ ذلك يؤكد أنه لا يمكن النظر للإعلان سوى بوصفه دعاية سياسيّة، تهدف إلى تلميع صورة الجيش الإسرائيلي. يتحقق ذلك بنظر المسوّقين لعلامة MTKL، من خلال تحريك أعمق غرائز النفس البشرية، وتغذية أذهان المشاهدين بشتى أنواع الخيالات، عبر خلق صورة مختلفة للجنديات الإسرائيليات، تجمع بين البطلات الخارقات ونجمات أفلام البورنو.
يعيد إعلان MTKL إلى الذاكرة، محطّات سابقة، أظهر فيها جنود الاحتلال شغفهم بالظهور في صور عارية أو شبه عارية، مدجّجين بالأسلحة. وقد أثارت تلك الصور جدلاً واسعاً العام الماضي، بعدما كُشفت على حسابات بعض الجنود على «إنستغرام». إلا أنّ مشروع رزنامة MTKL يحمل بذاته دلالات خطيرة، ولا نبالغ إن قلنا مقزّزة، خصوصاً أنّه يظهر بعد شهرين على نهاية الحرب على غزّة، وتدمير القطاع، وقتل آلاف المدنيين فيه. كأنّ ذلك الإعلان يحاول شغل العالم، بأجساد المقاتلات، عن قباحة ما ترتكبه «إسرائيل» في حروبها على الشعب الفلسطيني، خصوصاً بعدما شكّلت الحرب الأخيرة مفصلاً لناحية انقلاب الميزان الإعلامي، لمصلحة فلسطين.
وللمفارقة، يتقاطع الشريط مع الشكل الذي اختارته وسائل الإعلام الغربيّة، لتصوير المقاتلات الكرديّات في معارك عين العرب، بوصفهنّ مجرد فتيات جميلات. علماً أنّ إحدى علامات الأزياء الشهيرة، صمّمت مجموعة خريفيّة مستوحاة من ملابس مقاتلات كوباني. يصب كلّ ذلك في إطار محاولات «شكلنة» القضايا الكبرى، بحيث تتساوى جنديات الجيش الإسرائيلي ومقاتلات عين العرب في كونهن مجرد حسناوات. تصبح أزياؤهن العسكرية «موضة العام»، مع تعتيم تام على السياق السياسي. هكذا، يتمّ تسويق المقاتلات الإسرائيليات كرمز للإغراء والإثارة والجمال و«الحريّة والحياة والوقت الممتع»، وليس كمجرمات، محتلّات لأرض طُرد منها أهلها من دون أيّ حقّ.
وبالرغم من درجة الاستفزاز التي قد يثيرها الشريط في نفوس ضحايا الاحتلال، إلا أنه يعكس بطريقة أو بأخرى، مدى إفلاس الخطاب الصهيوني الديني والسياسي والعسكري، في تحسين سمعة الجيش، ووضعه تحت دائرة الضوء، ما اضطره للعودة إلى الحاجات البدائيّة: الجنس في صوره الأكثر ابتذالاً!
اعتاد الجيش الإسرائيلي أن يكون جيشاً محتلاً ومتوحشاً يخوض حروباً مدمّرة، إلا أنّ «حلته الجديدة» في إعلان MTKL خطوة كان من الصعب توقّعها. إنّها دليلٌ جديد، على أنّ الاحتلال الصهيوني لا يتردّد في استباحة كلّ الوسائل والأدوات، من أجل تلميع صورته... ولو كان ذلك يتطلب تحويل «الجيش الذي لا يُقهر»، إلى شركة لإنتاج أفلام البورنو.

 

المصدر: السفير