الكتاب الورقي ونظيره الإلكتروني.. مـن يتفوّق؟!
هبة الله الغلاييني هبة الله الغلاييني

الكتاب الورقي ونظيره الإلكتروني.. مـن يتفوّق؟!

هناك الكثير من المزايا التي تجعل الكتاب الورقي متفوقاً على نظيره الإلكتروني، فالكتاب الورقي لا يحتاج إلى جهاز إلكتروني معقد لقراءته، فهو بنفسه الكتاب والجهاز في الوقت عينه، وهو لا يعتمد على الكهرباء أو البطارية، بل يقرأ بيسر وبطريقة مباشرة، ويمكن طيّ الكتاب في غير اتجاه، ومن المستطاع حمله إلى غرفة النوم والسيارة والباص من دون أدنى جهد ويكفي لتخزينه وضعه على الرف، ومن المستطاع استخدامه خارج إطار القراءة، مثل استعماله لإسناد شيء معين.

كما يصعب على الجيل «المخضرم» من الصحافيين نسيان فترة الأرشيف الورقي، لا يكفي القول إنه يذكرهم بشبابهم، مثلاً، وليس لأنهم مازالوا يعملون في صحف تطبع ورقياً (ربما مع نسخ إلكترونية على الإنترنت)، بل لأنها تذكّر بتاريخ الصحافة وتطوّرها أيضاً.
فالوسيط الورقي في الأرشفة يتميز بعدة أمور:
فكلنا يعرف أن أدوات التخزين الإلكتروني قابلة للتآكل رقمياً (تقنياً تسمى هذه الخاصية (ديجيتال ديكاي)، فيما يستمر الورق لعمر أطول، وهو أكثر ثباتاً في هذا المعنى. كما إن تخزين المواد الإلكترونية يخضع لمواصفات الأداة التي يجري التخزين عليها فمثلاً، إذا جرى التخزين على أدوات (فلاش) فإنها قد تصبح غير صالحة، ومن غير سابق إنذار.
ويصحّ الأمر أيضاً (لكن بدرجة أقل) على القرص الصلب للكمبيوتر، إضافة إلى المشكلات الناجمة عن الفيروسات واختراق الشبكة الداخلية للأرشيف وغيرها.
كما إن الأمر الأشد أهمية فهو أن بروتوكول الكتابة على الورق لا يتغيّر مع الوقت، ما يعني ثباته زمنياً. بإمكانك قراءة وثيقة ورق مكتوبة حاضراً، لكن الأرشفة الإلكترونية تعاني من بعبع خفي اسمه تغيير بروتوكول التطبيقات المستخدمة في كتابة الوثائق الإلكترونية. مثلاً، تخلّت مايكروسوفت عن دعم التطبيقات المتصلة بنظام التشغيل «ويندوز 95»، وضاعت عشرات ملايين الوثائق التي كتبت بتطبيق «وورد – ويندوز 95» في مهب الريح.
وبعد بضع سنوات، ستصبح هذه الوثائق غير قابلة للقراءة على معظم الكمبيوترات. في المقلب الآخر من المأزق نفسه، لا تستطيع التطبيقات القديمة أن تقرأ الوثائق الحديثة، لا يستطيع حاسوب عليه تطبيق «وورد 95» أن يقرأ وثيقة مكتوبة بنظام «وورد 2005» فما فوق.
وبديهي القول إن التدريب على الكمبيوتر شكّل العقبة الأكثر بروزاً في فترة الانتقال من الكتابة ورقياً إلى المرحلة الإلكترونية. وفي الجيل المخضرم من الصحافيين، هناك من بدأ التعامل مع الكمبيوتر عندما كان يعمل بنظام «دوس» Dos، الذي كان يتطلب حفظ وكتابة سلاسل طويلة من الأوامر، وباستعمال كلمات محددة تكتب بطريقة تتغيّر بحسب الوظيفة المطلوبة، لم يكن ذلك سهلاً. وكذلك الحال بالنسبة للإنترنت والشبكات الداخلية، ومازالت مسألة «فلترة» المواد المؤرشفة إلكترونياً للحصول على مادة بعينها، أمراً يحتاج تدريباً ومراساً ووقتاً. هناك أيضاً مسألة الأذونات الإلكترونية، بمعنى صلاحيات الدخول إلى مواد معينة أو ملفات معينة أو مدى محدّد زمنياً. لم تكن تلك الأمور موجودة في الأرشيف الورقي.
يتطلب استعمال الأرشيف الإلكتروني تدريباً على نسخ المواد على القرص المرن القديم Floppy Disk، ثم على الاسطوانات المدمجة. هناك مسائل تتعلّق بالثقة بأن أحداً لا يدخل إلى ملف ليس له. قد يعالج هذا الأمر بالأذونات الإلكترونية (مثل إغلاق ملف ما بكلمة مرور).
لا تحدث هذه الأمور في الأرشيف الورقي إذا أخذت مجموعة مواد أرشيفية على أداة فلاش فقد لا تصل إليها، من دون سبب واضح، ويصبح من الضروري، التحوّط، وضع نسخ على أقراص مدمجة مثلاً، لا مكان لمثل هذه الأمور في الوسيط الرقمي المتمتع بالثبات في العمل، بحيث لا يتضرّر إلا بالعوامل الفيزيائية المحضة (مثل التمزيق أو الحريق) وهي أمور بإمكانها أن تضرب أدوات الوسيط الرقمي أيضاً.
وبالنسبة إلى الوسيط الرقمي فهو يملك أفضلية واضحة بالنسبة لكمية المواد، وكذلك لترابطها (بحسب نوع الرابط المستخدم في الأرشيف، مثل الكلمات المفتاحية والأسماء البارزة والمواضيع وغيرها)، في حال وجود شبكة داخلية في المؤسسة، من الممكن للصحافي أن يسترجع مواد الأرشيف بصورة مباشرة، بحسب الأذونات التي يعطيها الأرشيف ومسؤولوه، وكذلك بحسب سياسة الجريدة في هذا الأمر. وينطبق الوصف نفسه على المواد البصرية أيضاً، في حال توافرها في الأرشيف الإلكتروني. وبديهي القول إن الدخول إلى الأرشيف يجري تأمينه بطرق متنوعة، ما يتيح للصحافي استعمال مواد الأرشيف في أي مكان.
هذا الأمر صحيح نظرياً، أما من الناحية العملية، هناك مشكلات كثيرة، مثل احتمال تسرّب كلمات السر المستخدمة في الدخول إلى الأرشيف الإلكتروني. هناك أيضاً مشكلة الفيروسات، وتزايد هجمات «هاكرز» وغيرها.
من أهم ميزات الأرشيف الإلكتروني أنه يعطي كل صحافي نسخة من المواد المؤرشفة مع بقاء النسخة «الأصلية» على حالها. عندما تدخل إلى الأرشيف، وتصل إلى مادة معينة (بعد إجراء عملية البحث) فإن ما تراه على شاشة الكمبيوتر هو نسخة إلكترونية عن المادة الأصلية. وبإمكانك التصرّف فوراً بهذه المادة، بمعنى عدم الاضطرار إلى نسخ المعلومات أو إعادة صياغتها، بل من الممكن أن تصبح جزءاً من وثيقة أخرى (مقال صحفي أو دراسة) بصورة مباشرة، وغني عن القول إن المادة المأخوذة من الأرشيف الإلكتروني تتمتع بمزايا النص الإلكتروني جميعها، مثل سهولة النسخ والقص واللصق وإنشاء روابط إلكترونية وإضافة مواد غير نصيّة (صوت وصورة) وغيرها.
وبقدر ما تبدو المزايا السابقة مثيرة، فإنها تطرح مشكلات جمة، ربما كانت الملكية الفكرية أكثرها بروزاً. ثمة من يعتقد أن الملكية الفكرية هي المشكلة الحقيقية في العصر الإلكتروني، وذلك ما يظهر في مشروع مكتبة غوغل (Google library) الذي هو مشروع أرشيف إلكتروني أساساً، لكنه مفتوح للجمهور. وتثير الملكية الفكرية مشكلات في علاقات الصحف بعضها ببعض، وكذلك الحال بالنسبة لظواهر سرقة النصوص المتأتية من سهولة النسخ والقص واللصق، وربما تحتاج هذه الأمور إلى كلام أكثر.

 

صحيفة تشرين

آخر تعديل على الخميس, 04 تموز/يوليو 2013 21:44