بيزنس التأزيم

بيزنس التأزيم

لا يحتاج المتابع إلى كثير من الجهد كي يستنتج، بأن التوتر الراهن في العلاقات الدولية، في جانب هام منه، هو توتير مفتعل حيث تختلق قوى الحرب في الإدارة الأمريكية، وأتباعها في مراكز القرار في الدول الغربية، وبشكل يومي خلافات جديدة، مع روسيا والصين، مثل: «الفصول المتلاحقة عن التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، قضية سكريبال، إلى بروباغندا الكيماوي السوري واتهام روسيا ، إلى حرب العقوبات، إلى الحرب التجارية مع الصين».. وذلك لتحقيق ما يمكن تحقيقه

أولاً: التوتير أداة ابتزاز، لمختلف القوى الدولية، حلفاءً وخصوماً، مالياً، وسياسياً، بهدف قطع الطريق أمام القوى العقلانية في الغرب، وسد الطريق على رغبتها في الانفتاح على القطب الدولي الجديد، لعل وعسى أن تؤخر عمليات الاستقطاب الدولية الجديدة، وتوقف ظاهرة انفضاض حلفاء واشنطن من حولها، وتأخير التراجع الغربي على جبهات الصراع الأساسية في الصراع الدولي، طالما أن شل قوى الحرب، ورميها على قارعة التاريخ باتت مسألة محسومة. 

ثانياً: إن هذه المعارك المفتعلة في جانب منها، هي بمثابة بيزنس، بهدف تحقيق كسب إضافي غير مشروع، سواء عن طريق فرض الإتاوات «يجب أن يدفعوا» أو فرض صفقات التسلح غير المبررة، او «تعديل» الميزان التجاري، وذلك كله، بهدف ضمان استمرار منطق التبعية في العلاقات الدولية، ولو إلى حين. 

ثالثاً: ترسيخ روسيا على صورة بعبع في الوعي الاجتماعي الأوربي والأمريكي، والرأي العام الدولي، وإيجاد الذرائع لتبرير أية حماقات لاحقة قد تلجأ إليها قوى الحرب، كأشد القوى رجعية في منظومة تتآكل «من ساسها لراسها»

على العموم، وباختصار، تحاول قوى الحرب أن تعوّض بالمفرق ما تخسره بالجملة، وأن تحقق إنجازات تكتيكية في الوقت الذي تخسر فيه استراتيجياً. 

إن وصول «دولة الأمن القومي الأمريكي» - المتجسدة في نخبة رأس المال المالي، واحتكارات السلاح - إلى هذا الدرك في التعاطي مع القضايا الدولية، يعكس في العمق تهالك أدوات الهيمنة الأساسية السابقة، واستنفاذ دورها، وتفسخها، ويعبر عن عجزها في الوقوف بوجه تصاعد الدور الروسي – الصيني. بدلالة ان هذا التوتير، يرتد على قوى الحرب في واشنطن وحلفهم، بالمزيد من التراجع، بما فيها العدوان الأخير على سورية، كأخطر تجليات التصعيد.

وبالمقابل، فإن القوى الدولية الصاعدة، تعمل على استكمال أدوات المواجهة، الاقتصادية والسياسية والعسكرية، والثقافية، والإعلامية وتنتقل من الدفاع إلى الهجوم، كما تجلى في التعديلات المقترحة على استراتيجية الأمن القومي الروسي مؤخراً، وتصريحات وزير الدفاع الصيني في موسكو، والموقف الصارم من طرف القيادة الصينية تجاه محاولات الحمائية، فيما سمي بالحرب التجارية، وأيضاً من خلال، دبلوماسية الاحتواء، التي تجمع بين المواجهة والاستعداد للحوار في الوقت نفسه، فتؤمن القوى الصاعدة من خلال كل ذلك، إمكانية حل جملة مهام ذات طابع تاريخي وبالدرجة الأولى، صون السلم العالمي، وإشاعة الاستقرار في العلاقات الدولية، الذي يندرج في إطاره، إطفاء بؤر التوتر، وانفتاح الأفق أمام شعوب العالم، لكي تعبر عن ذاتها، وتأخذ موقعها الطبيعي في الصراع الدائر، من خلال استعادة قرارها، وتقرير مصيرها بنفسها.

رغم دخان التوتير الذي يخيم على المشهد، ورغم أن سورية، أحد خطوط التماس، ورغم أنها دفعت أثماناً باهظة خلال السنوات السابقة، إلا أن لدى سورية ما يؤهلها، للخروج قبل غيرها من دوامة التوتير، فالقرارات الدولية الخاصة بحل الأزمة، وخصوصاً القرار 2254، والانحسار المستمر في دور العمل المسلح، ووجود قوى معارضة وطنية جدية، والرغبة المتنامية لدى عموم السوريين في الموالاة والمعارضة للخروج من الأزمة، كلها تشكل مزايا، يمكن أن تجعل سورية في ريادة الدول الطرفية في الولوج الى العالم الجديد، بشرط توفر الإرادة السياسية لدى النخب السورية. وتحويل التراكم الذي حدث في معركة الحل السياسي إلى وقائع ملموسة على الأرض.