موسكو- آستانا - موسكو  

موسكو- آستانا - موسكو  

ما الذي تمخض عنه اجتماع استانا، وهل أضاف شيئاً جديداً، أم كان مجرد اجتماع أمر واقع، ولن يغير في مسار الأحداث شيئاً؟

 

بعيداً عن التصريحات المتشنجة، التي سبقت الاجتماع، و ما تخللته من مواقف، من هذا الطرف أو ذاك، والتي حاولت تحميل الاجتماع ما لا يحتمل، أو تقزيمه، والانتقاص من أهميته، أو جعله مناسبة لتسجيل نقاط، بعيداً عن كل ذلك، يمكن القول، بأن الاجتماع، بما اتفق عليه بين الدول الثلاث، وضمن وظيفته المحددة، بتثبيت وقف إطلاق النار، خطا خطوة أخرى على طريق استئناف مفاوضات الحل السياسي، حيث نص البيان الثلاثي الصادر عن ممثلي روسيا وتركية وايران في ختام الاجتماع على « إنشاء آلية ثلاثية لمراقبة وضمان الامتثال الكامل لوقف إطلاق النار، ومنع أية استفزازات، وتحديد جميع طرائق وقف إطلاق النار.» بالإضافة إلى تأكيد البيان، على ما تم التوافق عليه في السابق، من ناحية، اعتبار الحل السياسي حلاً وحيداً للازمة، ومحاربة النصرة، وداعش، والدعوة إلى الالتزام بالقرارات الدولية، وخصوصاً القرار 2254. 

وفي مسار آخر، فان دعوة روسيا إلى اجتماع للمعارضة السورية في موسكو، بجميع منصاتها، و كتلها السياسية الاساسية المختلفة، تتكامل مع ما تمخض عنه اجتماع أستانا، وتثقيل له، في سياق جهدها لتأمين ذلك الإطار الضروري: السياسي العسكري، الذي يمثل خريطة الواقع السوري بكل تعقيداتها وتشابكاتها، وبات واضحاً، أن موسكو وهي تسير في حقل الالغام السوري، مؤهلة  وقادرة على إزالة الحواجز، وتذليل العقبات، بما يخدم انطلاق العملية السياسية.

ما ينبغي أن يدركه الجميع، و بعد أن سقط منطق الحسم والاسقاط في امتحان الواقع، أن أهم سمات المرحلة القادمة، وبحكم الأمر الواقع، هي أنها مرحلة التفاوض وحوار الكل  مع الكل،  حوار تفرضه الضرورة، والإحداثيات الجديدة في مسار الأزمة السورية، ولا علاقة له بالموقف المبدأي من الطرف الآخر الذي يجري معه الحوار، طالما أن جميع الأطراف أقرت رسمياً، بأنه لا يمكن حسم الصراع عسكرياً، و طالما أن الخيار الآخر أي الحل السياسي، هو الذي يتقدم، و باعتبار أن أداته الوحيدة هو التفاوض والحوار، مع التذكير، بأن الحوار ليس إلغاء للصراع، بل هو شكل من أشكاله، وهو تبديل الصراع من شكله العنفي، إلى شكله العقلاني، حيث تحل الحكمة، محل السلاح والانسياق وراء الأوهام، وهو، أي الحوار بهذا المعنى، ومع أي كان،  ليس دليل ضعف، بل على العكس من ذلك، هو دليل على الثقة بالنفس، وصحة الخيارات، وقوة الحجة، وسلامة المنطق، واختبار لصوابيته، من عدمها.  

إن الانتقال من المعارك العسكرية في الميدان، إلى خوض معركة الحل السياسي يتطلب منطقاً آخر، جوهره البحث عن التوافق، بدلاً عن السعي إلى «الانتصار»، الأمر الذي يعني تقديم تنازلات متبادلة، لا تشمل قطعاً الثوابت الوطنية السورية، و تحديداً وحدة سورية ارضاً وشعباً، التي يجب أن تكون خارج دائرة الصراع.

 

آخر تعديل على الثلاثاء, 24 كانون2/يناير 2017 21:33