فلنقطع الطريق على قوى الحرب!

فلنقطع الطريق على قوى الحرب!

مع توقيع الاتفاق الروسي الأمريكي، بخصوص تثبيت الهدنة في سورية، وفتح الأبواب أمام العملية السياسية، استنفرت قوى الحرب، في مراكز القرار الغربي، و توابعها في الإقليم، والداخل السوري، محاولةً إعادة ترتيب صفوفها بعد سلسلة تراجعات  تجسدت بالقرارات الدولية المتوجة بالهدنة العتيدة، مستفيدة من فرط القوة الاستخباراتية والإعلامية لديها، والاستثمار في الفوضى المصنعة، واستطاعت تلك القوى مجدداً أن تخلط الأوراق، بعد أن كانت العديد من التصريحات الدولية، تشير إلى نهاية أيلول الجاري كموعد لاستئناف جولة جديدة من مفاوضات جنيف...

إن المحاولات المستمرة لإجهاض الهدنة وتفريغها من محتواها، تتطلب من الطرف الآخر – أنصار الحل السياسي - أيضاً أن يستجمع قواه، ويفعّل ما لديه من قوى كامنة، لتشكل عامل ضغط إضافي متكامل مع جهود الحلفاء الدوليين، بغية المساهمة في تسريع عملية الحل، بعد أن  بات الزمن عاملاً ضاغطاً في ظل الكارثة الإنسانية المستفحلة، ولعل أهم تلك الاحتياطات هنا، هو تفعيل دور القوى التي وافقت على القرارات الدولية، في المعارضة والنظام ، وهو طيف واسع يشمل أغلبية السوريين بغض النظر عن اصطفافاتهم الوهمية، بمن فيهم قوى هامة من المسلحين الذين يبحثون عن فرص جدية وواعدة بالتغيير الحقيقي للانخراط في الحل السياسي، ولعل الهدنات التي تعقد برعاية الطرف الروسي خير دليل أولي على ذلك.  

بمعنى آخر لابد من إعادة الاعتبار الى دور السوريين  في حل الأزمة، لاسيما و أن منطق التوازن الدولي الجديد الذي يتحكم باتجاه تطور الأوضاع في عموم الملفات الدولية الساخنة يؤكد بأن الالتفاف الأمريكي على اتفاق وقف العمليات العدائية، سيتراجع بالنتيجة أم خيارات القوى الدولية الصاعدة، كسابقاتها من محاولات الالتفاف على كل تقدم في العملية السياسية، مما يعني أن الفرصة سانحة أمام بلورة هذه القوة الوطنية السورية للمساهمة في كسر الحلقة المفرغة.

بقي الشعب السوري  بين عامي  2011 و2014 أسيراً  لشعاري الحسم والإسقاط، وراح كل طرف يعد أنصاره بانتصار ساحق على الطرف الآخر، ومع زيادة منسوب التدخل الدولي غير المباشر، الصريح والواضح، ومع تعقد خريطة الصراع، واتساع رقعة العمل المسلح، وامتداده إلى أغلب مناطق البلاد، وبعد أن ضيع النظام العديد من الفرص، وأثبت أنه محكوم بوهم العودة إلى ما قبل 2011 وبعد أن بلعت العديد من قوى المعارضة طُعم وعود «أصدقاء سورية»، وباتت ترسم سياساتها كصدى لمواقف اقليمية ودولية، ودفعت الحركة الشعبية من مأزق إلى مأزق، ومع بروز دور الجماعات الإرهابية كالنصرة وداعش وغيرها، بدا الميدان السوري، وكأنه ساحة حرب لانهائية، فانتقل مركز الثقل شيئاً فشيئاً إلى الخارج، حيث شهد الوضع الدولي والإقليمي استقطابات حادة حول الموقف من حل الأزمة، في ظل عجز السوريين عن حل أزمتهم. 

شاءت الصدفة التاريخية أن تتزامن الأزمة السورية، مع تشكل ميزان قوى دولي جديد، وأن تعمل القوى الصاعدة على تهدئة بؤر التوتر والصراعات الدولية، فتوفرت لسورية فرصة تاريخية، وبالفعل استطاعت كل من روسيا والصين، انتزاع جملة توافقات و قرارات دولية أهمها القرار 2254 التي باتت بمثابة خريطة طريق لحل الأزمة، وأقرت كل القوى من النظام إلى المعارضة بالحل السياسي كحل وحيد، وانفتحت آفاق الحل جدياً لأول مرة أمام السوريين لتجاوز محنتهم، وتترجم ذلك بتوقيع اتفاق وقف الأعمال العدائية، ومع محاولات قوى الحرب الالتفاف على هذا الاتفاق يصبح على رأس مهام أنصار الحل السياسي، إعادة الاعتبار للشعب السوري وقواه الوطنية، لاسيما وأن الأزمة في الأصل هي أزمة سورية، وأن من سيحلها بالنتيجة هم السوريون.

إن مبادرة نوعية من هذا النوع، يمكن أن تقطع الطريق على قوى الحرب، التي لا تتورع  عن ارتكاب كل الحماقات، والمغامرات، والمناورات، لإنقاذ نفسها من الانهيار، فالرأسمالية المأزومة هي الاسم الحركي لجنون الحرب حسب التجربة التاريخية كما هو معروف.

 

آخر تعديل على الجمعة, 30 أيلول/سبتمبر 2016 17:52