الصناعة السورية- واختلالاتها الكبرى (2) الصناعة العامة عائد ليرتان لكل 100 ليرة!

مجدداً «وربما أبداً»! تتكرر مسألة إصلاح القطاع العام الصناعي، اللجان والتصريحات والوعود والتسويف. قاسيون ستركز في العدد الحالي على مؤشر يعبّر عن خلل بنيوي في الصناعة العامة السورية قبل الأزمة وبعدها، بالمقارنة مع القطاع الخاص، فالموارد تدخل الصناعة العامة ولا تخلق قيماً مضافة ودخلاً جديداً، ما يعكس بنية عمل تمتص الموارد وتُفقدها جدواها.

يعتبر عائد الاستثمار واحداً من المحددات الهامة التي تقيس الفعالية، وهو بالعموم يعبر عن حجم القيم الجديدة الذي تخلقه العملية الإنتاجية من قلب القيم القديمة المستخدمة، أو بشكل أبسط كم ليرة إضافية مقابل كل 100 ليرة مستخدمة في الاستثمار*، وهذا العائد قليل جداً في الصناعة التحويلية العامة.

في عموم الصناعة التحويلية السورية فإن كل 100 ليرة مستثمرة كانت تعطي قيماً مضافة تقارب 20 ليرة، وهي نسبة قليلة نسبياً ولكنها بقيت ثابتة بين عامي 2010- 2015، واستطاعت الصناعة السورية أن تكيّف أسعارها أي ترفعها مع ارتفاع التكاليف. والحديث هنا عن الصناعة التحويلية التي تنتج كل شيء باستثناء الصناعات الاستخراجية النفط والغاز والأحجار وغيرها وصناعة الكهرباء وتزويد مياه الشرب.
ولكن بالنظر التفصيلي إلى الصناعة التحويلية السورية باعتبارها مقسّمة من حيث الملكية إلى عام وخاص، فإن العائد يختلف كثيراً...
أهم منتجات الصناعة التحويلية العامة الخبز والطحين والكونسروة والمياه المعدنية والتبغ، إضافة إلى إنتاج معامل الغزل والألبسة العامة والسجاد، والإسمنت والأسمدة والأدوية والدهانات في القطاع الكيميائي، والكابلات في الصناعات الهندسية، إضافة إلى المشتقات النفطية. وعملياً فإن الصناعات الغذائية التي يشكل الطحين والخبز أساسها، والكيماوية التي تشكل المشتقات النفطية أكبر جزء من إنتاجها تساهم بنسبة 92% من قيم الإنتاج، أي إنها صناعة متركزة إلى حد بعيد في إنتاج الأساسات الخبز ومنتجات الطاقة والأسمدة والأدوية.
الصناعة العامة تساهم بنسبة 45% من القيم الإجمالية لإنتاج الصناعة التحويلية، ولكنها لا تساهم إلا بنسبة 5,8% من ناتج هذه الصناعة، ما يعني أنها تنتج بضائع كثيرة، ولكن العائد أو القيم المضافة من هذا الإجمالي قليل... وهو ما يشير إليه المعدل المنخفض لعائد الاستثمار في الصناعة العامة بالمقارنة مع الصناعة الخاصة.
مقابل كل 100 ليرة مستثمرة في الصناعة العامة فإن القيم المضافة المنتجة لا تتعدى 2،3 ليرة في عام 2015. وهو معدل منخفض بشكل استثنائي ويشير إلى أن الصناعة العامة تستخدم مواردها بكفاءة شديدة الانخفاض. وبالمقارنة مع القطاع الخاص فإن كل 100 ليرة مستثمرة في الصناعة التحويلية الخاصة نتج عنها 46 ليرة قيماً مضافة في عام 2015.
والعائد في الصناعة الخاصة أعلى منه في العامة بـ 20 ضعفاً!
كما أن العائد في الصناعة العامة انخفض بشكل قياسي في خلال سنوات الأزمة، فرغم أنه كان منخفضاً في عام 2010 ولم يكن يتعدى 8,4 ليرة قيم مضافة لكل 100 ليرة مستثمرة إلا أنه تراجع خلال سنوات الأزمة بنسبة 73% وتراجعت الكفاءة إلى حد بعيد.
أما القطاع الخاص فقد رفع كفاءة استخدامه للموارد خلال سنوات الأزمة بنسبة 7% تقريباً بين عامي 2010-2015.
في الحديث عن إصلاح القطاع العام وهيكلته، غالباً ما يتم التركيز على عبء العمالة وعدد العمال، رغم أن أجور العاملين لا تتعدى عملياً نسبة 3% من التكاليف. وحوالي 29 مليار ليرة لأكثر من 63 ألف عامل بأجر وسطي لم يتعدى: 38 ألف ليرة شهرياً لكل عامل في عام 2015.
والعمال ليسوا مشكلة الصناعة العامة من حيث كثرتهم، بل إن قلتهم النوعية وتراجع أعداد المؤهلين والشباب بينهم قد يكون واحداً من عوامل ضعف الإنتاجية.
إن الموارد في الصناعة العامة مهدورة، والـ 100 ليرة التي توضع كاستثمار محمّلة بأعباء كبرى غير إنتاجية.
كما أن الإنفاق على الاستثمار الجديد في عام 2015 لم يتعدَّ 29 مليار ليرة أيضاً، وهو الاستثمار الذي يفترض أن يطور الآلات والمعدات، ولم يشكل إلا نسبة أيضاً أقل من 3,4% من المستلزمات المستخدمة.
ما يعني أنَّ التكاليف والهدر يتركز فيما يسمى المستلزمات الدوارة: المواد المستخدمة وتسعيرها، مثل تسعير الفوسفات المستخدم في صناعة السماد، أو تسعير النفط الخام المستخدم في المشتقات النفطية، أو تسعير القمح المستخدم في صناعة الطحين، أو تسعير القطن لصناعة الأقمشة والغزول، وتسعير المواد والمستلزمات المستوردة والمشتراة محلياً لصناعات الأدوية والدهانات والإسمنت، وتسعيرة النحاس لشركة الكابلات، وتسعيرة السكر الخام المستورد لصناعة السكر والخميرة وغيرها...
فمثلاً يسعّر النفط الخام والغاز بسعره العالمي قبل دخوله إلى الإنتاج في مصافي النفط ومعامل الغاز بينما كلف استخراجه أخفض بكثير... ويسعّر القمح بسعره المدعوم للفلاحين أو سعره المرتفع المدفوع للمستوردين وتدفع هذا السعر شركات الطحين، ويسعّر النحاس بالسعر الذي يفرضه جامعو النحاس ومستورديوه وتدفعه شركة الكابلات، ويسعّر السُّكَّر الخام بسعر احتكاري لمستوردي المادة، وتدفعها المؤسسة العامة للسكر وهلم جرّا.
أضف إلى ذلك أنّ شركات الصناعة العامة يفرض عليها أعلى شريحة كهرباء وتدفع سعراً للكهرباء أعلى من سعر تكلفة الكيلو واط محققة واحدة من مصادر ربح الكهرباء الأساسية. هذا عدا عن تكاليف الفساد المباشر المنتشر على الطرقات خلال سنوات الأزمة، والذي يأخذ حصة من الإنتاج خلال عمليات النقل، أو نتيجة لعمليات الحماية أو حتى «بالسلبطة المباشرة».
الصناعة العامة تدفع تكاليف التسعير العالي للمواد الأساسية المستوردة أو المنتجة محلياً، وهذا التسعير يرفع من كلفها كثيراً إذ يتم تحميلها عبء الفساد في التجارة الخارجية والداخلية وتعاقدات الدولة مع المستوردين ومتعهدي الشراء والمستثمرين.
بينما لا يتمّ تزويدها بالمعدات الاستثمارية بكم كافٍ لترفع من سويتها الإنتاجية، ويتم تحميلها هذه الخسارات، ومن ثمّ البحث بشأنها على اعتبارها «خاسرة» بينما هي كما كانت سابقاً مخسّرة... إنَّ البحث في إصلاح القطاع العام الصناعي لا يمكن أن يكون جدَّياً إن لم يكن وزن الفساد الكبير في خسارات هذه الشركات وتكاليفها بنداً أولاً وأساساً.

*نسبة الناتج أو الدخل الذي تنتجه الصناعة سنوياً بالقياس إلى المستلزمات المستخدمة سنوياً (اهتلاك الآلات بالإضافة إلى مجموع المستلزمات الأخرى) هو واحد من المعايير الفعالة، أو كما تسميه منظمة اليونيدو (مؤشر كفاءة استخدام الموارد).

 

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
954