الصناعة السورية- واختلالاتها الكبرى (1) الريعية: 77% صناعة تعتمد على موارد البيئة الأولية

الصناعة السورية- واختلالاتها الكبرى (1) الريعية: 77% صناعة تعتمد على موارد البيئة الأولية

يكثر الحديث اليوم عن الصناعة السورية وعن إنتاجها لبدائل المستوردات بنسبة 80%... وللصناعة في سورية تاريخ طويل في محاولة إنتاج استقلال اقتصادي صناعي نسبي، لم يكن ناجحاً دائماً، على الرغم من توفر إمكانات وكوادر، ورغم ما تتمتع به الصناعة السورية التحويلية من مرونة. إلّا أن للصناعة السورية اختلالاتها وتشوهاتها الكبرى التي لم تستطع السياسات أن تديرها يوماً، ولا تزال تعمق هذه الاختلالات.

سنستعرض خلال أعداد قادمة أهم سمات الصناعة السورية السلبية والإيجابية، ونبدؤها من الجانب الأبرز: الطابع الريعي للصناعة، واعتمادها على موارد بيئية أولية محددة، وهو واحد من محددات مستوى التخلف الصناعي!

أصبحت الصناعة السورية منذ اكتشاف النفط في سورية ريعية الطابع، أي تعتمد على الموارد البيئية الأساسية وتحقق عوائد كبرى منها باستثمار قليل.
والموارد البيئية الأساسية هي الآتية من باطن الأرض وسطحها، وكل ما يتعلق بالاستخراج: النفط والغاز وأنواع الصخور والرمال والفوسفات وغيرها التي تسمى الصناعات الاستخراجية، إضافة إلى الإنتاج المرتبط بالوقود، وهو إنتاج الكهرباء الذي يشكل الوقود الأحفوري نسبة تفوق 80% من مكوناته، وأخيراً، إنتاج مياه الشرب وتزويد المجتمع بها. أي مجموع ما يسمى في التصنيفات السورية الرسمية والدولية: صناعات استخراجية وصناعة الماء والكهرباء.
إن ارتفاع نسبة هذه الصناعات من مجمل الصناعة في بلد ما هي مؤشر على تخلُّف البنية الصناعية واعتمادها على موارد الأرض بالدرجة الأولى. وقد كانت هذه النسبة في سورية عالية، حيث شكلت هذه القطاعات نسبة 77% من مجمل الصناعة قبل الأزمة، بينما النسبة المتبقية وأقل من 23% كانت لما يسمى الصناعة التحويلية (وهي كلُّ عمليات الإنتاج الصناعي الأخرى: الأغذية والمشروبات، المنسوجات والألبسة، الأخشاب، الكيماويات وتكرير البترول، تصنيع المعادن والبلاستيك، وتصنيع الكهربائيات وغيرها).
ولمعرفة مدى ارتفاع هذه النسبة نضعها في مقارنة مع الدول المماثلة لسورية من حيث مستوى الدخل، فبينما شكلت الصناعة الريعية المعتمدة على الموارد الأساسية أكثر من ثلاثة أرباع الصناعة السورية في عام 2010: 77% كما ذكرنا، فإن الحصة الوسطية عالمياً كانت 46% فقط من مجمل الصناعات في 2010، وذلك في مجموعة الدول التي كنا ننتمي إليها في حينها (مجموعة الشريحة الأقل دخلاً ضمن الدول متوسطة الدخل). وطبعاً تنخفض هذه النسبة كلما تقدمنا على سلم تطور الدخل وتقدم التصنيف الصناعي لهذه الدول.
أي حتى بالقياس بأقراننا من الدول من حيث مستوى الدخل والتطور، فإن صناعتنا كانت أعلى ريعية، حيث لا تسجل نسب كهذه إلا في الدول النفطية الكبرى التي لسنا جزءاً منها!
تغيرت هذه المعادلة خلال سنوات الأزمة، ففي عام 2015 شكلت الصناعات الاستخراجية نسبة 51% من الناتج الصناعي، والصناعات التحويلية ارتفعت لتسجل نسبة 49%، ولكنّ هذا لم يكن نتيجة مؤشرات إيجابية لتحسُّن التحويلية، بل لأن الاستخراجية انهارت سريعاً وبمستوى أعلى من التحويلية. نتيجة تمركزها في مناطق جغرافية واعتمادها على نشاط الشركات الأجنبية الغربية التي التزمت بالعقوبات، حيث جرّ التراجع الكبير في النفط والغاز تراجعاً مماثلاً في إنتاج
الكهرباء.

ما الذي نعنيه بالريعية؟

ترتبط مفردة الرّيع بملكية الأرض، فالأرض عملياً وما تحتويه من مزايا وثروات وموارد تحقق عند استثمارها عائداً يسمى الرّيع، فبكلف قليلة للمستلزمات الدورية تحصل على موارد مالية كثيرة فقط من قيمة الموارد البيئية التي تمّ استخراجها وتسعيرها العالمي وتحديداً في حالة النفط والغاز.

وللمقارنة بين الصناعة الاستخراجية والتحويلية من حيث الريعية الاستثمارية، نأخذ الحالة السورية.

في عام 2010 كانت الصناعة الاستخراجية مع الماء والكهرباء تحصل على 58 ليرةً دخلاً أو قيماً مضافة، مقابل كل 100 ليرة إنتاج. المساهم الأساس فيها هو الاستخراج حيث مقابل كل 100 ليرة إنتاج أكثر من 88 ليرة دخلاً إضافياً.

بينما هذه النسبة في الصناعة التحويلية كانت: 20 ليرة قيم مضافة مقابل كل 100 ليرة إنتاج وهي نسبة منخفضة بشكل كبير...

 خلال الأزمة تغيرت العوائد أيضاً، وترافق تراجع الصناعة الاستخراجية الكبير مع تراجع في عوائدها أيضاً. إذ أصبح مقابل كل 100 ليرة إنتاج، تتحقق القيم المضافة المتحققة تقارب 45 ليرة، وخسرت عائدية الاستخراجية نسبة 23% من قيمها، بسبب توقف الحقول عالية الإنتاجية بالدرجة الأولى.

 

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
953
آخر تعديل على الإثنين, 17 شباط/فبراير 2020 13:07