خطوات جديدة نحو نظام دفع دولي بديل

خطوات جديدة نحو نظام دفع دولي بديل

أشارت التقارير الإعلامية نقلاً عن حاكم المصرف المركز الروسي عن حصول اتفاق روسي صيني هندي لربط أنظمة التبادل المالية فيما بينهم، الأمر الذي سيسمح بوصل ما يقارب ٣ مليارات إنسان بشكل مستقل عن نظام الدفع المالي المهيمن عليه من واشنطن. كما تم الاتفاق بين إيران وروسيا على أنظمة الدفع والتراسل المالي المحلية مع بعضها لتأريض العقوبات الأمريكية.

لفهم جزء من أبعاد هذه الاتفاقات من المفيد التعريف بأنظمة الدفع المالية العالمية والتي لها مكونان, الأول هو شبكة تسمح بربط المؤسسات المالية والمصرفية الدولية ببعضها البعض بشكل يسمح بإنفاذ التحويلات المالية العابرة للحدود, الأمر الضروري لإتمام التعاملات التجارية والاقتصادية المختلفة.

نظام دفع عالمي أمريكي وحيد

حتى مؤخراً كانت الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي لديها نظام دفع دولي: شبس(CHIPS)، فيدوير (FEDWIRE), وهما المملوكان من البنوك الفيدرالية الاثنتي عشر المكوّنة للبنك المركزي الأمريكي. وفي حين أن فيدوير يركز على التبادلات المحلية داخل السوق الأميركي، فإن تشبس هو نظام الدفع الإلكتروني الأساس الذي تستخدمه الولايات المتحدة في المعاملات الدولية. في عام ٢٠٠٥، قدرت قيمة الصفقات المعالجة يومياً عبر فيدوير بـ 2,1 تريليون دولار، في حين قدرت بـ 1,2 تريليون في حالة تشبس.
لكن تحت تزايد لجوء الولايات المتحدة لاستخدام العقوبات الاقتصادية على خصومها بما يشتمل على قطعهم عن نظام الدفع المالي العالمي بهدف عزلهم وخنقهم تجارياً ومالياً عبر رفع الكلف والأخطار على شركائهم, أطلقت الصين عام ٢٠١٥ نظام دفعٍ دولي لتسويات التعاملات العابرة للحدود باليوان «تسيبس» CIPS.

نظام تراسل أوروبي بهيمنة دولار

المكون الثاني لأنظمة الدفع, هو نظام التراسل الإلكتروني الذي يقوم بنقل أوامر التحويل والاقتطاع والمقاصة بين البنوك الدولية. نظام التراسل الدولي الوحيد هو نظام السويفت الأوروبي الخاضع لقوانين بروكسل، لكنه مجبر على الالتزام بالعقوبات الأمريكية طالما أن الدولار هو عملة التبادل الدولي الرئيسة، وطالما أنّ الاتحاد الأوروبي مازال يشارك الأمريكي في العقوبات الدولية. وفقا لموقع السويفت, بلغت قيمة التعاملات اليومية ذروتها في الـ ٢٨ من شباط ٢٠١٩ لتبلغ ٣٦,٣٤ مليون مراسلة يومية.
أيضاً، تحت ضغط العقوبات الاقتصادية الأمريكية أنشأت روسيا نظام تراسل دولي بديل للسويفت، أطلقت عليه اسم سيبرفت CyberFT، الذي يتمتع بمواصفات تقنية تتجاوز سويفت من عدة نواح، من ضمنها طاقة النظام الاستيعابية اللانهائية من ناحية عدد العملاء المشتركين في شبكته، في حين أن طاقة سويفت تقف عند ١٠ آلاف. كما قامت روسيا بإطلاق نظام تراسل بين البنوك المحلية (SPFS).

اندماج الدفع الصيني والتراسل الروسي

إن اندماج شبكة الدفع العالمي الصينية «تسيبس» CIPS مع نظامي التراسل البين بنكي الروسي الدولي والمحلي, بالإضافة إلى شبكات الدفع المحلية لدول مثل الهند وإيران, يؤدي عملياً للخروج من نظام الدفع العالمي السائد المهيمن عليه أمريكيا اليوم. الأمر الذي يبدو أن إتمامه قيد التقدم, إذ أفادت صحيفة إزفسيتا باتفاق كل من الصين وروسيا والهند على إقامة منصة إلكترونية واحدة تقوم بربط الأنظمة المصرفية لهذه البلدان عبر دمج نظام الدفع الصيني العالمي, مع نظام التراسل المالي الروسي العالمي مع نظام الدفع المحلي الهندي. الأمر الذي سبقه اتفاق روسي إيراني على ربط نظام التراسل المحلي الإيراني (SEPAM) مع نظام التراسل المحلي الروسي(SPFS) وذلك في سياق انضمام إيران للاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
إنّ إنشاء هذه الأنظمة يضع التبادلات التجارية والاستثمارية البينية للدول المشاركة بمنأى عن آثار العقوبات الأمريكية, ويسمح بتوسيعها وهو ما تسعى واشنطن إلى منعه على وجه التحديد, وخصوصاً في سياق توسع التبادلات التجارية التي يتم تسويتها بالعملات المحلية، وبالدرجة الأولى الحالة الصينية الروسية. إذ تحولت روسيا إلى المزود العالمي الأولى للصين بالنفط, بالإضافة إلى تحولها إلى مزود كبير بالغاز الطبيعي, إذ يتوقع أنّ تتجاوز كمية صادرات الغاز الروسي إلى الصين مستوى الصادرات إلى أوروبا, وذلك وفقاً لاتفاقية التعاون الإستراتيجي التي تم توقيعها في ٢٠١٤ إثر إطلاق حملة العقوبات على روسيا على ضوء أحداث القرم.

زيادة التجارة والعملات المحلية

بناءً على البيانات الروسية، فإن حصة الصين من التجارة الخارجية الروسية ارتفعت من 11% إلى 15% خلال أربعة أعوام بين عامي 2013-2017. إن دور العملات المحلية في التجارة الروسية الصينية قد ازداد كذلك الأمر، فبينما كانت النسب في عام 2013: 3% من الصادرات بالعملات المحلية، و6% من الواردات. فقد ارتفعت إلى نسبة 18-19% على التوالي، في عام 2017.
ينبغي قراءة هذه المتحولات ضمن المسعى الهادئ والمتأني للصين وروسيا بتغيير النظام النقدي الدولي, عبر استبدال احتكار الدولار لموقع عملة التبادل بعملة مدارة من كل المجتمع الدولي، مثل حقوق السحب الخاصة المصدرة من قبل صندوق النقد الدولي. الأمر الذي ترفضه واشنطن ويدفع الأطراف الأخرى لإيجاد حلول بديلة. فالعديد من الدول تسعى إلى إتمام مبادلاتها البينية بالعملات المحلية, إذ بلغت نسبة ما يتم تسويته باليوان من التجارة الخارجية للصين ٢٥٪.
ففي العلاقات الروسية الصينية, لم يكن حجم التبادل بين البلدين بالعملات المحلية يتجاوز 4,3 مليارات دولار في عام 2013، لترتفع قيم التبادل بالعملات المحلية إلى ما يوازي 11 مليار دولار في 2017. كما تضاعفت تقريباً الاحتياطات الروسية من اليوان الصيني بالفترة ذاتها, من 2,8٪ إلى ٥٪.

طبعاً لا يمكن قراءة هذه التغيرات في أنظمة الدفع والتراسل الدولية وفي حجم التجارة والتبادل بالعملات المحلية، بمعزل عن عملية تحولات الأوزان النسبية للقوى الكبرى, إذ تعد خطوات إلى الأمام في مسار تغيير البنية التحتية لقنوات الربط والتوصيل والتبادل في الاقتصاد العالمي التي تهيمن الولايات المتحدة حتى اليوم على جزءٍ هام منها, وهو ما يجري بالتوازي مع مشاريع أخرى تسعى لإنشاء طرق تجارية عالمية تلتف على الحواجز العسكرية الأمريكية (مشروع طريق الحرير), أو شبكات الاتصال والإنترنت وإلخ...

معلومات إضافية

العدد رقم:
938
آخر تعديل على الإثنين, 04 تشرين2/نوفمبر 2019 12:05