3% قروض للفلاحين... المصرف الزراعي ممول عام أم وسيط فقط!

3% قروض للفلاحين... المصرف الزراعي ممول عام أم وسيط فقط!

توقفت منظومة الإقراض الزراعي عن تمويل المزارعين لفترة طويلة خلال الأزمة، وقد بدأت تستعيد نشاطها نسبياً في 2017، انتقل رقم الإقراض الزراعي من عشرات المليارات في 2018 إلى مئات المليارات في العام الحالي، وتضاعفت  قروض الزراعي السوري بمعدل 3,3 مرّة، ولكن ما هي حصة الفلاحين منها، وهل هي فعّالة أم أنها من (العِبّ للجيبة) كما يُقال؟

أقرض المصرف الزراعي السوري خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2019 ما يقارب: 236,5 مليار ليرة وفق تصريحات إدارته لوسائل الإعلام المحلية. ويشكّل هذا الرقم أكثر من ثلاثة أضعاف رقم الإقراض الزراعي خلال الفترة ذاتها من العام الماضي والبالغ 70,8 مليار ليرة، (وفق النشرة الشهرية للمصرف).

 

أكثر من 95% لسداد أثمان المحاصيل!

في تفاصيل هذا الإقراض يتبين أن الكتلة الأساسية منه هي للجهات العامة المعنية بالإنتاج الزراعي التي حصلت على نسبة 96- 98% من قروض المصرف الزراعي، وبالدرجة الأولى للمؤسسة العامة للحبوب 175 مليار ليرة، ومن ثمّ للمؤسسة العامة للأعلاف 43 مليار ليرة، والمؤسسة العامة لإكثار البذار 10 مليارات. وكذلك في 2018 حيث مولت قروض الزراعي مؤسسات: الحبوب، والبذار، والحلج والتسويق بمبالغ 60 ملياراً- 3 مليارات- 6 مليارات على التوالي.
كتلة ودائع المصرف الزراعي لم تتعدّ 58 مليار ليرة في عام 2018، بينما قاربت 66 ملياراً في عام 2019، وهي أقل بكثير من كتلة الإقراض الممنوحة. فعملياً الجزء الأهم من قروض المصرف الزراعي للمؤسسات المذكورة، هو من التمويل الحكومي لعمليات شراء المحاصيل عبر هذه المؤسسات، التي تودع جزءاً هاماً من إيراداتها في المصرف الزراعي كذلك الأمر، وهي قروض ترتبط مباشرة بعمليات شراء المحاصيل، شراء الحبوب للقمح، والأعلاف للشعير، والبذار للقمح أو غيره من بذار الإنتاج النباتي المزروعة لغرض الإكثار في أراضي المزارعين. ما يعني أن هذه الأرقام الكبيرة لا تعكس توسع النشاط الاستثماري الزراعي العام بقدر ما تعكس زيادة المبالغ المطلوبة لشراء المحاصيل خلال موسم العام الحالي الماطر.
والمصرف الزراعي في هذه الحالة ينقل أموال ودائع المؤسسات الزراعية العامة والتمويل الحكومي للمحاصيل، إلى هذه المؤسسات لتقوم بعمليات الشراء للمزارعين، وتسدد للمصرف...

مبيعات شهر أسمدة أعلى من إقراض 9 أشهر

أما الجانب الذي قد يعكس توسعاً استثمارياً في إقراض المصرف الزراعي، هو إقراض المصرف للفلاحين، والذي لم يتعدّ نسبة 2-3%، رغم ازدياده من 1,8 مليار ليرة في 2018، إلى 7,8 مليارات ليرة في 2019، وهو رقم قليل جداً لتمويل العمليات الاستثمارية وتحديداً إذا ما قارناه مع بيانات المصرف ذاتها التي تقول إن مبيعات المصرف من الأسمدة للفلاحين في شهر واحد بلغت 10 مليارات ليرة! أي إن المزارعين دفعوا للمصرف أثمان أسمدة نقداً في شهر واحد أعلى بنسبة 22% من تمويل المصرف لهم خلال تسعة أشهر!
مع العلم أن المزارعين سيدفعون مبالغ فوائد لا تقل عن 780 مليون ليرة عن كتلة القروض هذه، حيث معدل الفائدة في الإقراض الزراعي يتراوح بين 10-13% حسب مدة القرض.
تنبغي الإشارة إلى أن القروض المقدمة للمزارعين اليوم والبالغة في أحسن الأحوال 18 مليون دولار تقريباً، وفق سعر الصرف الرسمي، لا تشكل إلا نسبة 6% من قروض المصرف الزراعي للقطاع الخاص في عام 2011 التي بلغت ما يقارب 290 مليون دولار (أكثر من 14,4 مليار ليرة في حينها بسعر 50 ليرة للدولار). بينما بلغ مجموع تمويل المصرف الزراعي في 2011 ما يقارب 1,5 مليار دولار لقروض القطاعات العامة والخاصة والمشتركة.

إن إقراض المصرف الزراعي للجهات الحكومية المرتبطة بالإنتاج الزراعي ضرورة في الظرف الحالي، ولكن المصرف لا يلعب اليوم سوى دور حلقة وسيطة تودع فيها المؤسسات الزراعية الإنتاجية أموالها، وتأخذ منها أثمان المحاصيل... بينما لا تخصص أموال الإقراض للتوسع الاستثماري الجدّي في قدرات هذه المؤسسات الإنتاجية وهو الأهم، وتحديداً في مؤسسات مثل إكثار البذار التي يفترض أن تزداد قدرتها على توزيع البذار التي لا تغطي إلا نسبة 10% منه في حالة القمح، والمؤسسة العامة للأعلاف كذلك الأمر... أما إقراض المزارعين فلا يزال في حدود دنيا رغم توسعه، ولا يشكل إلا جزءاً ضئيلاً من الاستثمار الفعلي الذي يقوم به المزارعون ليجددوا إنتاجهم، الأمر الذي يظهر من مدفوعاتهم على الأسمدة، إذ دفعوا للمصرف في شهر واحد أكثر مما أقرضهم خلال تسعة أشهر!

معلومات إضافية

العدد رقم:
936
آخر تعديل على الأربعاء, 23 تشرين1/أكتوير 2019 12:48