تحديث الجيش الصيني خلال عقد بـ 1,9% من الناتج...

تحديث الجيش الصيني خلال عقد بـ 1,9% من الناتج...

تحولت الصين إلى القوة الاقتصادية العالمية الأولى في العديد من المجالات، ولكن لم يتواكب الوزن الاقتصادي الصيني مع وزن عسكري مماثل، إن الصين تستهدف إحداث نقلة في جيشها نحو (جيش قوة عظمى) في عام 2049، بينما تسعى اليوم إلى تحديث كامل بنية جيشها حتى عام 2035... الأمر الذي لا ينفصل عن مشاريعها الإستراتيجية الاقتصادية الكبرى وتحديداً (صنع في الصين 2025)، ومشروع الحزام والطريق.

تحولات سريعة

ارتفع الإنفاق العسكري الصيني بنسبة 300% بين 2008- 2018، وفق التصريحات الرسمية التي تقول إن ميزانية الدفاع الصينية، بلغت 177,5 مليار دولار في 2018، بينما تختلف تقديرات مراكز بحثية غربية أخرى، والتي تُوصل تقديرات الإنفاق الدفاعي الصيني إلى 240 مليار دولار في 2018: (وفق تقديرات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام SIPRI). ولكن رغم ارتفاع هذه الميزانية إلا أن نسبتها من الناتج الصيني لم تتغير وبقيت ثابتة تقريباً عند مستوى 1,9% من الناتج. وعلى العكس من ذلك فإن نسبة الإنفاق العسكري من مجمل إنفاق الحكومة الصينية انخفضت من 8% تقريباً إلى 5,5%.
وبالنتيجة، ازدادت استقلالية الصين العسكرية بتسارع كبير وأصبحت قادرة على اعتمادٍ أوسع على إنتاجها العسكري، خلال عقد من الزمن بين 2006- 2016، حيث تراجعت واردات السلاح الصينية من 2,88 مليار دولار إلى 992 مليون دولار: بنسبة تراجع 65%. بل وزادت الصادرات العسكرية الصينية لتصبح الصين المصدّر العالمي الخامس للسلاح بعد الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا.
على الرغم من أن الولايات المتحدة تنظر بعين الخطر إلى تسارع التطور العسكري الصيني، في سياق اعتبارها الصين عدواً يهدد الأمن القومي الأمريكي، ولكن التقارير الرسمية لا تنفي العقيدة الدفاعية لا الهجومية للجيش الصيني، فالصين لا تمتلك الحافز لمجاراة القوى الإستراتيجية العسكرية الأمريكية والروسية من حيث العدد، ولم تتخذ خطوات لزيادة حجم ترسانتها النووية بشكل كبير، حيث لديها رؤية بأن حجم القوة النووية غير مهم، طالما أن لديها قدرات ردع وانتقام من هجوم نووي للخصم، والصين مهتمة أكثر بتحديث وتوسيع قواتها التقليدية، للحفاظ على أهداف أمنها الإقليمي الواسع، عوضاً عن (السباق النووي). (تقرير سكرتاريا وزارة الدفاع الأمريكية للكونغرس- 2019 التطورات العسكرية والأمنية في الصين).
تركز الصين على أمنها الإقليمي، أهمها في بحر الصين الجنوبي وهي النقطة الأكثر توتراً، حيث مضيق ملقا ومنفذ طريق تجاري بحري أساس للصين ولمجمل الشرق الأقصى، فمثلاً 80% من النفط الخام يمر منه إلى الشرق الأقصى الآسيوي. بالإضافة إلى نقاط توتر على الحدود الصينية مع الهند وكشمير، وعلى الحدود مع نيبال وبوتان في الجنوب الغربي الصيني.
ولذلك فإن للصين تركيزاً أساساً في قدراتها الدفاعية على القطاع البحري، حيث إن الصين أكبر منتج للسفن عالمياً، وعدا عن هذا تمتلك البحرية الصينية 300 سفينة بحرية، مقابل 287 في البحرية الأمريكية، ولكن ينبغي الانتباه إلى الفارق النوعي في هذه السفن البحرية الحربية، حيث إن النسبة الأكبر منها في الصين للسفن المرتبطة بخفر السواحل وحماية الحدود البحرية، وليس السفن الهجومية.

تحديث الجيش الصيني

لدى الصين نقاط ضعف في محركات الطيران، ومحركات دفع السفن، وأنظمة إدارة المعارك. ولكن التوقعات تشير إلى أن الصين قد لا تكون بعيدة عن سد هذه الثغرات. عملية التحديث في الجيش الصيني، ترتبط ارتباطاً بعيداً بمشروع (صنع في الصين 2025) المشروع الذي يستهدف استبدال التكنولوجيات المستوردة بالمحلية الصينية، وفي أعلى المستويات. ويعتمد هذا على الربط الواسع بين قطاعات التطوير المدني والعسكري، حيث أسست الصين لما يسمى بالتكامل المدني العسكري Civil- Military Integration (CMI)، وهو إستراتيجية وطنية تحفز القطاع المدني ليدخل في مجالات الدفاع، وبالطبع تتم هذه العملية في الصين بالشراكة بين شركات الدولة ومعاهد ومؤسسات الدفاع الصينية. يقدّر مركز أبحاث IISS، أن عشرة من شركات الدولة الصينية تعمل في الصناعات العسكرية والمدنية سوية، وأن هذه الشركات تقع في مراتب متقدمة في تصنيفات شركات الصناعة العسكرية العالمية (المرتبة 5- 7 عالمياً) وجميع الشركات ضمن أكبر 22 مصنّعاً عسكرياً عالمياً.
(يذكر على سبيل المثال أن الصين تجاوزت الولايات المتحدة لتصبح القائد في مجالي تكنولوجيا التشفير والحساسات الكمّية، وهي أكثر المجالات ارتباطاً بالتطبيقات العسكرية في علم المعلومات الكمومية).

التعاون العسكري الصيني

جزء من الإستراتيجية الصينية، هو زيادة التعاون العسكري في الإقليم، وجزء هام منها ينعكس في الصادرات العسكرية الصينية، التي تتجه إلى آسيا وإفريقيا، وإلى دول أهمها باكستان ميانمار وبنغلاديش إيران وأندونيسيا في آسيا، وفي إفريقيا الجزائر تنزانيا المغرب ونيجيريا والسودان.
وعدا عن صادرات السلاح الصيني، فقد أجرت الصين 12 تدريباً مشتركاً ثنائياً ومتعدداً في المحيط الآسيوي. أخذت التدريبات أشكال مناورات وتدريبات عسكرية برية وبحرية متعددة. إلا أن التعاون مع روسيا يتعدى مستلزمات السلاح الروسي إلى الصين، مثل المحركات، والطائرات الهجومية... إلى التعاون المشترك، كما في صناعة الهلوكبتر المشتركة التي ستصنع في الصين بمساعدة الشركات الروسية، وستكون النسخة الأخير من الطائرة العمودية الأضخم MI-26، وستسمى AHL، والتي ستكون من أكثر الطائرات العمودية في العالم وزناً وحمولة. بالإضافة إلى ما أعلنه الرئيس الروسي في مؤتمر فالداي مؤخراً بأن روسيا تساعد الصين في تطوير منظومة إنذار مبكر من هجوم صاروخي.

تتسارع القدرات العسكرية الصينية بمستوى ملفت منذ نهاية التسعينات تقريباً، ولكنها تترافق مع توسع النمو الصيني... وهي تأخذ طابع دفاعي يتعلق بتوسع حجم الاقتصاد الصيني وارتفاع مستوى التهديد، وزيادة الحاجة إلى ردع التعدي على الحدود الصينية، والحاجة إلى حماية الطرق التجارية العالمية من التوتر، وتحديداً البحرية منها. تجري الصين عملية تحديث واسعة لجيشها ترتبط بالعمق بتوسيع قدراتها التكنولوجية، حيث ترتبط الكثير من تطبيقات القطاعات التكنولوجية الرائدة بقطاع الدفاع الذي أصبحت شركات الدولة الصينية المدنية مساهماً مهماً فيه... حيث تستطيع الصين أن تجري تحديثات على كامل بنية جيشها بنسبة غير متزايدة من ناتجها الضخم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
934
آخر تعديل على الإثنين, 07 تشرين1/أكتوير 2019 13:55