من 16 ألف إلى 4500 ليرة تراجع الأجر الحقيقي لموظفي الدولة

من 16 ألف إلى 4500 ليرة تراجع الأجر الحقيقي لموظفي الدولة

تراجع عدد موظفي الدولة بنسبة 20% بين 2011-2016... هذا في إطار العاملين في القطاع العام المدني فقط، الذي خسر أكثر من 200 ألف عامل، وفق الأرقام الرسمية، بينما الخسارات الفعلية قد تكون أكبر. ولا يمكن لأحد أن يستغرب هذه الظاهرة، بل قد يكون المستغرب: لماذا أو كيف لا يزال هؤلاء العاملون يعملون؟!
القوى البشرية العاملة في جهاز الدولة لم تكن تتجدد سنوياً في سنوات ما قبل الأزمة، إذ كانت معدلات التشغيل الجديد السنوية، أقل من معدلات الخسارات السنوية في القوى العاملة، التي تنجم موضوعياً عن التقاعد والاستقالات والموت الطبيعي وغيرها. وقد كان التراجع بطيئاً في تعداد القوى العاملة في جهاز الدولة، ولكنه كان مُقرراً في سياق عملية تقليص حجم جهاز الدولة ودوره الاقتصادي- الاجتماعي في سنوات بدء التطبيق الواسع لليبرالية الاقتصادية في سورية..

وإن كان هذا واقع الحال قبل الأزمة، فإن السنوات الثماني الماضية سجلت خسارات كبيرة ونزيفاً حاداً في القوى البشرية العاملة في جهاز الدولة، نتيجة التراجع الحاد والكبير في قيمة الأجور. فالعمل بأجر عموماً، ولدى جهاز الدولة خصوصاً لم يعد قادراً على تأمين الغذاء الضروري للأسرة التي يعيلها الموظف العامل. فالغذاء والمشروبات الضرورية فقط تكلفته الشهرية 95 ألف ليرة، بينما الراتب 35-40 ألف ليرة شهرياً.


تراجع يفوق 70%

تشير الباحثة د. رشا سيروب في دراسة لها بعنوان «زيادة الأجور والرواتب.. عدالة وضرورة». أنه: وفق قيمة الليرة في عام 2011، فإن الموظف الذي كان يحصل وسطياً على 16 ألف ليرة، انخفض أجره الحقيقي إلى أقل من 4500 ليرة في عام 2018، بنسبة تراجع تفوق 70%. وإذا ما قيست الأجور بالدولار فإنها كانت عند سعر 365$ في 2011، وأصبحت تقارب 83$ في 2018 وفق أسعار الصرف الرسمية.

الإنتاجية سبعة أضعاف الراتب

بالمقابل، فإن هؤلاء العمال، وحيث يمكن لهم أن يعملوا ويخلقوا قيماً مضافة، فإن أجورهم لا تشكل إلا نسبة ضئيلة جداً من القيمة المضافة التي يخلقونها، ونسبة: 15% تقريباً. وهذا بناء على الدراسة المذكورة سابقاً، والمعتمدة على بيانات قطاع الصناعة العامة في عام 2016. فإنتاجية العامل في القطاع العام الصناعي تعادل سبعة أضعاف ما يحصل عليه من دخل. حيث بلغ الناتج المحقق مقابل كل عامل: 363 ألف ليرة، بينما كان وسطي دخله يقارب 47 ألف ليرة في 2016!
وهو ما يعني: أن الحكومة كرب عمل، تعطي عمالها 15% مما ينتجونه، وتحصل بالمقابل على نسبة 85%، في نموذج سيء جداً لعدالة توزيع الدخل في القطاع الصناعي العام!

«الحكومة تخالف الدستور»

الحكومة تعيد وتكرر ما يفيد: أن زيادة الرواتب والأجور، ليست مدرجة في الحسابات الحكومية ضمن الظروف الحالية: ظروف نقص الموارد العامة.. وهي عملياً بهذا تخالف ليس فقط الضرورات الاقتصادية- الاجتماعية، بل والإنسانية. بل تخالف أيضاً الدستور، حيث الأجور السورية حالياً غير دستورية، حتى في جهاز الدولة. تذكّر د. سيروب: أن زيادة الرواتب والأجور حق منصوص دستورياً، حيث نصت الفقرة 2 من المادة 40 من الدستور السوري بأن «لكل عامل أجر عادل ....على أن لا يقل عن الحد الأدنى للأجور الذي يضمن متطلبات الحياة المعيشية وتغيّرها». لذلك ترى: أن زيادة الأجور إلى حد 150-200 ألف ليرة شهرياً ضرورة، على أن يتم تعديل الأجر سنوياً وفق معدل التضخم، بحيث يحافظ على الأقل على قيمته الحقيقية.

الزيادة لن تسبب تضخماً

الذريعة الحكومية المكررة، بأن زيادة كتلة الأجور والرواتب ستكون عملياً ممولة بالتضخم، أي: أنها ستكون عبر طباعة نقود جديدة، نظراً لعدم توفر موارد عامة تكفي للزيادات. ولكن هذه الذريعة المكرّرة حول عدم وجود موارد عامة، مردود عليها دائماً، بالقول: إن الموارد موجودة، ولكن التحصيل لا يحصل. وأبرز مثال على هذا هو: ما ذكرته الباحثة، بأنّ التقديرات تقول بأن التهرب الضريبي في سورية، يقارب 500 مليار ليرة في تقديرات عام 2016. وهذا إذا ما أخذنا النسبة الوسطية لكتلة الضريبة من الناتج الإجمالي في الدول النامية، حيث يجب أن تبلغ 15% وسطياً، بينما هي أقل من ذلك في سورية. وهذه الكتلة الضريبية غير مستوفاة من ضريبة أرباح شركات القطاع الخاص بالدرجة الأولى، ومن ضريبة الدخل المقطوع، وأيضاً من التهرب من الرسوم الجمركية، وكذلك من ضرائب دخل الأجور في القطاع الخاص، حيث لا يسجل أرباب العمل عمالهم في التأمينات ولا تستوفى ضريبة عن دخولهم. هذا عدا عن أوجه الهدر الأخرى، التي تظهر موارد مكدسة لدى أمراء الحرب وأثريائها.

آخر تعديل على الإثنين, 25 شباط/فبراير 2019 12:01