هواوي وترامب محاولة إيقاف «G5 الصيني»

هواوي وترامب محاولة إيقاف «G5 الصيني»

من المتوقع أن يوقع ترامب، أمراً تنفيذياً لمنع استخدام معدات الاتصالات الصينية في سوق الشبكات اللاسلكية الأمريكية، وتحديداً معدات شركة هواوي وzte. ليأتي هذا بموجة تصعيد جديدة، بعد أن طلبت الولايات المتحدة اعتقال المديرة التنفيذية لشركة هواوي في كندا...
فلماذا تحارب الولايات المتحدة هواوي الصينية ومثيلاتها؟

تترقب تكنولوجيا قطاع الاتصالات اللاسلكية نقلة نوعية، مع انتقال شبكات الجيل الخامس للاستثمار والتطبيق عالمياً وبشكل واسع خلال العامين القادمين.
الجيل الخامس..
من يصل أولاً يغنم كثيراً
والجيل الخامس أو G5 لا يرتبط فقط بزيادة استثنائية في سرعة نقل المعلومات، وما يتيحه من التحكم بمسار تطور عالم الموبايل اللاحق، بل ترتبط هذه التكنولوجيا بالتوسع الكبير في تطبيق: «إنترنت الأشياء».. حيث يتاح الربط الشبكي للمعدات والأجهزة الإلكترونية المختلفة ببعضها البعض، لتصدر وتتلقى المعلومات بشكل دائم.
الأمر الذي يعني: أنّ من يسبق إلى سوق شبكات G5، سيسبق إلى إنتاج الأجهزة والخدمات المرتبطة بها، هذا من جهة.. أما من جهة أخرى فإن هذه الشبكات والأجهزة المرتبطة تمثل قاعدة معلومات كبرى وواسعة، تتحول إلى عنصر قوة. فالبيانات اليوم هي بمثابة مادة خام أساسية للثورة الرقمية، فمن يمتلك أكبر قدر من المعلومات، يستطيع أن يقابل السوق بأفضل الخدمات، وأن يصنّع حاجاتها.
ومسألة الأسبقية في الهيمنة على هذه السوق، تفوق التأثيرات التكنولوجية والاقتصادية على أهميتها، لتتعداها إلى السياسة والعسكرة والأمن. في عالم أصبحت فيه الـ Big Data، واحدة من المفاصل الأساسية للقوة والهيمنة. وعلى هذا الأساس فإن سباقاً تكنولوجياً عالمياً يستعر، وتحديداً مع ظهور التقدم الصيني في مضمار تكنولوجيا G5.
الصين.. الأكثر تطبيقاً وإنفاقاً
يعتبر تقرير لمركز Deloitte الاستشاري، حول أثر هذه التقنية، أن G5 ستتحول إلى محرك النمو الاقتصادي لعقد قادم... وأن من ينال الأسبقية في تطبيقها، يمتلك وقود النمو العالمي وفق تقديرات التقرير.
وبينما قامت الولايات المتحدة، واليابان، وكوريا الجنوبية بخطوات هامة للاستعداد لـ G5 إلا أن أحداً لم يقم بما قامت به الصين. حيث أصبح عدد مواقع تخديم الشبكة المطبقة في الصين قرابة عشرة أضعاف العدد المطبق في الولايات المتحدة: 1,9 مليون مقابل 200 ألف! ما يجعل تغطية المساحة في الصين أعلى منها في أمريكا بمقدار 13 ضعفاً.
لقد تطلبت هذه النقلات النوعية في الصين الكثير من الإنفاق، فهواوي منتج معدات الاتصالات الأكبر عالمياً، أنفقت 600 مليون دولار على أبحاث G5 منذ عام 2009، بناء على تصريحات الناطقين باسمها. والتزمت بأكثر من 800 مليون دولار إضافية في العام الحالي، وهي تختبر معدات الجيل الخامس مع شركات الاتصالات الأوروبية: في بريطانيا، وألمانيا.
كما امتكلت هواوي والشركات الصينية الأخرى 10% من براءات الاختراع العالمية في مجال التقنية الجديدة، مقابل 15% لدى الشركات الأمريكية وفي مقدمتها كوالكم، أما الشركات الأوروبية الأكبر مثل: نوكيا، فتمتلك 11% منها، وإيركسون 8%.
ولكن امتلاك البراءات شيء، وتطبيق التكنولوجيا وإمكانية تجريبها شيء آخر، الأمر الذي تتقدم فيه الصين بفعل مقدرات السوق الصينية الداخلية الواسعة بأكثر من 1,4 مليار مستهلك.
حرب الولايات المتحدة على التكنولوجيا الصينية
تستهدف الولايات المتحدة تأخير انتقال الصين إلى امتلاك القدرة على تطبيق تكنولوجيا الجيل الخامس في السوق الخارجية، حيث هواوي وحدها قد وقعت 22 عقداً تجارياً لتطبيق تقنية 5G عبر العالم. والأهم من هذا: أن مشروع الحزام والطريق الصيني، يتضمن فيما يتضمنه، إتاحة الربط عبر شبكات الجيل الخامس بين النقاط الأساسية على الطريق، ما يعني عقود بنى تحتية واسعة للشبكات عبر آسيا وصولاً إلى أوروبا وإفريقيا.
ولذلك فإن الأمريكيين معنيون بعرقلة التقدم الصيني، عبر إغلاق الأسواق في وجهها.
حيث بدأت محاولات إغلاق السوق الأمريكية أمام الشركات الصينية: فبعد أن صدر في العام الماضي قرار منع الجهات الحكومية من استخدام معدات الشبكات الصينية، فإن قراراً مرتقباً قد يمنع إدخالها إلى السوق الأمريكية بشكل كامل. ولكن الأخصائيين الأمريكيين يقولون: إن السوق الأمريكية ليست مجهزة بمعدات بديلة بالكامل لتطبيق شبكات 5G، وليس من الواضح لشركات الاتصالات في الولايات المتحدة كيف ستمضي قدماً في التطبيق، في حال استبعادٍ كاملٍ لمنتجات هواوي التي تمتلك نسبة 28% من سوق معدات الاتصالات العالمية، كما نقلت مجلة POLITICO الأمريكية. بينما يطرح البعض أنّ على الحكومة الأمريكية أن تنشأ شبكة G5 مؤمّمة وحكومية لمواكبة المنافسة الصينية.
كما تستخدم الولايات المتحدة ذريعة المخاطر الأمنية والتجسس وسرقة الملكية الفكرية، لمنع الأطراف الأخرى من التعامل مع سوق تكنولوجيا G5 الصينية. حتى وصلت الإدارة الحالية إلى التهديد بالعقوبات كما جرت العادة: إذ صرح المبعوث الأمريكي إلى الاتحاد الأوروبي مؤخراً، بأن أية دولة غربية تسمح لشركة هواوي أو للمعدات الصينية الأخرى بالدخول إلى مشاريع البنى التحتية الحيوية للاتصالات «ستواجه خطر اتخاذ تدابير مضادة أمريكية».
منذ انطلاق الثورة الرقمية وتكنولوجيا الاتصالات التي تعود إلى السبعينيات، كانت شركات الولايات المتحدة الرقم واحد عالمياً. وهو ما شكل محدداً في امتلاك التكنولوجيا العالية واحتكارها. ولم تكن الصين رقماً يذكر في الإنتاج المستقل، إلّا لمرحلة متأخرة من تقنيات الجيل الثالث والرابع التي بدأت بالظهور بعد عام 2007. ولكن الموقع المتقدم للصين في تكنولوجيا الجيل الخامس القادمة، سيعني عملياً تغيراً جديداً في التقسيم الدولي للعمل، وتحديداً في قطاع تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات. القطاع الذي يرتبط بتوسيع قدرات الذكاء الصناعي، وتوسيع قدرات تحرير البشر من الكثير من مهام العمل العضلي.
إن امتلاك الصين للقدرات الرائدة في هذا المجال، وإمكانية تحقيق الهدف الصيني لتوسيع التطبيق في المجال الجيوستراتيجي، لمشروع الحزام والطريق... سيدفع مستقبلاً نحو نقلة نوعية في تطوير القوى المنتجة عالمياً، ونقل المستوى التكنولوجي، وبالتالي التنموي، لمساحات جغرافية وبشرية واسعة كانت بعيدة في العهود السابقة عن الاستفادة من ميزات التكنولوجيا العالمية التي كانت تنتج في الغرب، وتستهلك وفق قواعده.

آخر تعديل على الإثنين, 11 شباط/فبراير 2019 12:18