الموازنة (3) 80% من الناتج السوري (مخفي ضريبياً)

الموازنة (3) 80% من الناتج السوري (مخفي ضريبياً)

نستكمل في العدد الحالي من قاسيون البحث في بيانات محددة من موازنة عام 2019، وبعد أن بحثنا في جانبي الإنفاق والإيرادات عموماً، نفصل الآن في ضرائب دخل الأرباح والأجور، هذه الضرائب التي تعتبر مؤشراً اقتصادياً واجتماعياً، على دور الدولة في التوزيع، وعلى مستويات التهرب الضريبي، ومدى انحياز السياسيات لصالح الأقوى.
قبل البدء بالتفاصيل ينبغي التذكير، أن الدخل الذي يُنتج في سورية خلال سنة، أو الناتج المحلي الإجمالي، يوزع في نهاية المطاف بين الأرباح والأجور. التي بدورها تُعيد للمال العام جزءاً من الدخل عبر الضريبة. وقد وصلت حصة الأرباح من الدخل في سورية إلى 80% على الأقل خلال سنوات الأزمة مقابل 20% للأجور بأعلى التقديرات.

10% من الناتج ضرائب ورسوم!
سيبلغ الحجم الإجمالي لإيرادات الضرائب والرسوم عموماً في موازنة عام 2019 مقداراً يبلغ: 563 مليار ليرة.. وعادة ما يقارن هذا الرقم في الأدبيات الاقتصادية بالناتج الإجمالي، لمعرفة الحصة التي تعود إلى المال العام من هذا الناتج.
وبتقديرات عالمية يبلغ وسطي حصة الضرائب والرسوم من الناتج ما يقارب 34%، أي ثلث الناتج يعود إلى المال العام، وفق تقديرات منظمة دول مجموعة التعاون والتنمية الاقتصادية oecd.
بينما في سورية، فإن هذه النسبة أقل من 10% من الناتج، حيث أخذنا آخر تقدير رسمي للناتج السوري في عام 2016 والبالغ قرابة: 5700 مليار ليرة.
ضرائب الدخل 5% فقط
ضرائب الدخل المباشرة، وهي الضرائب على الأرباح بأنواعها المختلفة، والضرائب على الرواتب والأجور، والضرائب على أرباح تداول رؤوس الأموال، وعلى ريع العقارات، هي أهم بنود الضرائب، وأكثرها تعبيراً عن دور الدولة في التوزيع.
وهي تشكل وسطياً بالمعنى العالمي نسبة 23% من الإيرادات الحكومية، وفق بيانات البنك الدولي. أما في سورية فإنها تبلغ مقداراً لا يتعدى 157 مليار ليرة، ونسبة لا تتعدى 5,3% من الإيرادات العامة في الموازنة.
ولا يعود هذا إلى انخفاض نسب الضريبة المطبقة، فحتى ضريبة الأرباح ورغم انخفاضها في سورية، إلا أنها قريبة من الوسطي العالمي المقدر بمعدل 16% من الأرباح تقريباً.
يعود الانخفاض الكبير في نسبة ضرائب الدخل إلى الإيرادات العامة، إلى الحجم الكبير للقطاع غير المنظم، وللتهرب الضريبي الكبير في القطاع المنظم، ولعدم تطبيق ضريبة تصاعدية مناسبة على الأرباح الكبيرة، وإلى بنية ضريبة الدخل المقطوع التي تحتسب كنسب تقديرية من النشاط الاقتصادي لمساحة واسعة من النشاطات، وإلى كل آليات التلاعب التي تجعل ريع العقارات بحدوده الدنيا، وضريبته شكلية

 

 

 

 

 

الأرباح مقابل الأجور

تبلغ ضرائب الأجور والرواتب مقدار 40 مليار ليرة في موازنة عام 2019 التقديرية، أي يدفع أصحاب الأجر ربع ضرائب الدخل الواصلة للدولة. أمّا ضرائب الأرباح والريع بأنواعها المختلفة فتشكل مقدار: 117 مليار، ليدفع أصحاب الربح ثلاثة أرباع ضريبة الدخل المدفوعة للدولة.
وهذا لا يتناسب مع أن الأجور تحصل على أقل من 20% من الدخل، والأرباح تحصل على 80% منه!
يفترض أن تكون ضرائب دخل الأرباح تقارب 16% من حصة الأرباح من الناتج. بأخذ الوسطي العالمي كمقياس.
الدولة تدفع ضرائب للدولة
والمفارقة الأخيرة تتعلق بالضرائب التي تدفعها الدولة للدولة مقابل الضرائب التي يدفعها القطاع الخاص للدولة.
فعملياً يدفع القطاع العام: 50 مليار ليرة ضرائب دخل، 25 مليار ليرة منها ضرائب الأجور، و25 مليار ليرة من ضرائب أرباح شركاته.
بينما لدى القطاع العام أقل من 1,3 مليون عامل، ولديه 200 شركة فقط مقابل 80 ألف شركة مساهمة مسجلة في سورية، و476 ألف سجل تجاري وصناعي خاص!
الناتج المتهرب من ضريبة الدخل
أصحاب الأرباح في سورية إذ يدفعون 117 مليار ليرة ضريبة، فإن هذا يعني أنهم يدفعون عن مقدار ربح يقارب: 730 مليار ليرة سورية فقط، وهو نسبة لا تتعدى 13% من الناتج.
وكذلك في ضريبة الأجور، فإذا ما كان وسطي ضريبة الأجور السورية 12% من الأجر. فإن الأجور التي تدفع ضرائب 40 مليار ليرة، تدفع ضريبة عن دخل يقارب: 333 مليار ليرة سورية فقط، ونسبة 6% من الناتج فقط.
ما يعني أن الناتج المغطى ضريبياً في سورية حالياً، لا يصل إلى 20%: 13% من الأرباح، و6% من الأجور. بينما أكثر من 80% من الناتج السوري، الموزع دخول، خارج إطار التحصيل الضريبي، وهو قطاع غير منظم، وناتج غير شرعي منهوب وخارج عن الحسابات العامة.
والتهرب الأساس هو لدى الأرباح التي وفق حصتها البالغة من الدخل 80%، يجب أن تدفع ما يقارب 700 مليار ليرة ضريبة، بينما لا تدفع أكثر من 117 مليار ليرة!
أما التهرب في ضريبة الأجور، فهو في القطاع الخاص، حيث كتلة ضريبة الأجور لا تتعدى 15 مليار ليرة، وهذا طبيعي، طالما أن العمال المسجلين في القطاع الخاص بشكل نظامي، لا يبلغون أكثر من 210 ألف عامل فقط، ويسجّل هؤلاء بأقل شرائح الأجر، وبالتالي بأقل مستويات التحصيل الضريبي.