منعطف أوروبي على أبواب إيران!
ليلى نصر ليلى نصر

منعطف أوروبي على أبواب إيران!

تتحول العقوبات الاقتصادية الأمريكية إلى دافعٍ نحو تسريع البدائل العالمية لمنظومة الدولار العالمي للتمويل والتجارة والاحتياطيات. وإن كانت العقوبات تدفع الدول المعاقَبة كما روسيا وإيران إلى البحث عن البدائل، فإنها أيضاً تدفع حلفاء الولايات المتحدة نحو البدائل، وبالدرجة الأولى الاتحاد الأوروبي المتضرر من العقوبات، والمستهدف بها أيضاً وإن بشكل غير مباشر.
التصعيد السياسي الأمريكي بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة فرض العقوبات الموسعة على إيران، يشكل مفصلاً على صعيد موقف دول الاتحاد الأوروبي من سلوك الفوضى والتوتير السياسي والاقتصادي الأمريكي.

 

فدول الاتحاد الأوروبي ورغم ترددها، إلا أنها تعلن أنها ستكمل بالاتفاق النووي الإيراني، وأنها ستحمي شركاتها واستثماراتها التي دخلت السوق الإيرانية بحماس بعد توقيع الاتفاق النووي عام 2015.
حيث ألغت المفوضية الأوروبية يوم الجمعة 18-5 ما يسمى نظام الحظر الأساسي لعام 1996، ما قد يحمي شركات الاتحاد نسبياً من العقوبات الأمريكية، حيث يبطل هذا الإجراء تأثير أية أحكام قضائية أجنبية في الاتحاد الأوروبي، ويسمح للشركات باسترداد الأضرار الناشئة عن مثل هذه العقوبات.
ولكن من الواضح بالنسبة للإيرانيين كما لغيرهم بأن الإجراء الأهم هو: تحويل التعامل الثنائي إلى اليورو، أو إلى عملات أخرى عدا الدولار، وإيجاد طُرقٍ لتجنب المؤسسات المالية المرتبطة به...
وهو ما تظهر بوادره أيضاً، حيث نقلت وكالة رويترز عن مسؤول في الاتحاد الأوروبي، وجود مقترحات بأن تقوم حكومات الاتحاد الأوروبي بتحويل الأموال مباشرة إلى البنك المركزي الإيراني، لتجنب العقوبات الأمريكية، وهو ما يمثل تحدياً هاماً للعقوبات التي فرضت على محافظ المركزي الإيراني..
عقوبات في الغرب
وفرص في الشرق
يأتي الضغط على الأوروبيين من الطرفين: أي: من الولايات المتحدة من جهة، ومن القوى الدولية الصاعدة من جهة أخرى. فبينما تستخدم الولايات المتحدة أسلوب الترهيب والعقاب، فإن الأطراف الأخرى تضغط بشكل غير مباشر، عبر الخسائر الأوروبية من ضياع الفرص الكامنة في الشرق، إذا ما التزمت دول أوروبا الغربية بالركب التصعيدي الأمريكي.
فعلى سبيل المثال: بمجرد أن أعلنت شركة توتال بأنها قد تنهي عقد استثمارها في حقل الغاز الإيراني الضخم جنوب فارس، إثر العقوبات الأمريكية... حتى أعلنت شركة النفط الصينية CNCP جاهزيتها للعمل في الحقل عوضاً عن الشركة الفرنسية.
ولدى الاتحاد الأوروبي فرصة مع إيران لتبادل النفط باليورو، الأمر الذي يدعم العملة الأوروبية المشتركة، التي وإن كانت مندمجة في منظومة الدولار المالية العالمية، إلا أنها تبقى في حالة منافسة معه، ويبقى أي توسع لليورو على حساب الدولار فائدة لدول الاتحاد.
(عقود اليوان) استفادت بسرعة
الأمر الأهم: أنه في حال عدم استجابة أوروبا للعرض الإيراني، فإن هذا سينعكس فائدة مباشرة عن اليوان الصيني، وعلى عقود النفط المستقبلية لشراء النفط باليوان، الصادرة على سوق شنغهاي في آذار الماضي. هذه العقود التي يبدو أنها بدأت مباشرة تجني ثمار التصعيد الأمريكي الأخير، حيث ارتفعت حصة سوق شانغهاي وعقود النفط باليوان من 8% من سوق العقود الآجلة في آذار، لتصل إلى 12% منذ خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي. وهو ما يعني: توسيع حصة اليوان من سوق النفط العالمية، ما يؤثر على حصته من التجارة والاحتياطيات العالمية بالمجمل، وبالطبع على حساب كلٍ من الدولار واليورو.
إن التزام الاتحاد الأوروبي بالعقوبات التجارية سابقاً على روسيا، قد كلف بعض القطاعات الأوروبية خسائر تجارية كبرى. ويدور الحديث اليوم عن انسحاب من عمليات استثمارية أوروبية في إيران تقارب 20 مليار يورو، من أصل حوالي 25 مليار يورو استثمارات أجنبية وفدت إيران بين 2013-2017، حيث تعتبر ألمانيا الشريك الأكبر بنسبة 60% من الاستثمارات الأوروبية في إيران، وبتجارة توسعت خلال عام 2016 فقط بنسبة 34%. ورغم أن هذه الأرقام بمقاييس العلاقات الأمريكية الأوروبية ليست كبيرة، إلا أن الولايات المتحدة لن تستطيع أن تقدم للشركات الأوروبية فرص استثمار بديلة، لتعوض الخسائر الأوروبية من الخروج من إيران. فهل ستستطيع دول أوروبا الغربية الأساسية وتحديداً ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا أن تستكمل موقفها ولا تلتزم بالعقوبات الأمريكية؟
سوابق (للتمرد) الأوروبي!
هناك سوابق في الآونة الأخيرة، للتملص الأوروبي من الالتزام التام بالرغبات الأمريكية، فعندما أسست الصين بنك الاستثمار في تمويل البنى التحتية عبر آسيا، استجابت مجمل الدول الأوروبية للمساهمة المغرية، رغم عدم الموافقة الأمريكية. كما أن العقوبات الأمريكية على روسيا لم تستطع إلغاء خط السيل الشمالي، لإمداد الشمال الأوروبي بالغاز الروسي عبر بحر البلطيق، وكانت ألمانيا أولى الموافقين.

الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني سيتحول إلى مفصل في العلاقات الأوروبية-الأمريكية. وإن كان الابتعاد الأوروبي صعباً جداً عن الولايات المتحدة، بسبب الترابط العميق في منظومة المال الغربية، إلا أن ظروف الأزمة الاقتصادية، ومسار التصعيد الأمريكي، والفرص المتاحة من الخيارات العقلانية، تشكل بمجموعها عوامل قد تدفع الأوروبيين تدريجياً نحو خيارات أخرى، للخروج عن سياق التصعيد الأمريكي.

آخر تعديل على الإثنين, 21 أيار 2018 13:28