لماذا يكره ترامب الصين؟
ليلى نصر ليلى نصر

لماذا يكره ترامب الصين؟

يعدد الرئيس الأمريكي ترامب مجموعة من الأهداف والدوافع الاقتصادية، لحربه التجارية المعلنة على الصين، فيقول: إنه يريد أن يزيد التشغيل، أن يخفض العجز، أن يوسع نشاط الشركات الصناعية و(يعيدها للوطن)، ويعلم الجميع أن الأهداف تقبع في الدولار، وفي الهجوم الصيني عليه. فما الذي فعلته وتفعله الصين؟

 

عدا عن أن الصين قد نقلت عملتها اليوان لتكون واحدة من العملات الاحتياطية المعتمدة من قبل المؤسسات الدولية، فإن اليوان يستعد لمنافسة الدولار كما هو معلوم على سوق تسعير النفط العالمية... وإضافة إلى هذا فإن الصين في الوقت الذي أعلنت فيه عن إطلاق عقود النفط المستقبلية المسعّرة باليوان القابل للتبادل بالذهب، في 26 آذار- 2018، فإنها قد أجرت الاختبار على المرحلة الثانية من المنظومة الصينية للدفع العالمي بين البنوك والمسماة (CIPS)، وهي منظومة دفع بين البنوك العالمية باليوان، متبناة من قبل 11 مؤسسة مالية صينية، و8 مؤسسات مالية أجنبية، من بينها دوتشيه بنك، الذي استحوذت الصين على حصة هامة منه. هذه المنظومة المالية مجهزة لمواجهة منظومة سويفت الغربية، التي تهيمن على الجزء الأعظم من المعاملات البنكية عبر العالم، والتي يمكن لها أن تعرقل عملية التبادل باليوان، وأن تطبق عقوبات واسعة عليه، بل على النشاط الاقتصادي الصيني العالمي.
وعدا عن هذين الإجراءين فإن اليوان الصيني ينافس الدولار في مجالات هيمنته العالمية كلها، فمن منظومة الاستثمار والتمويل والتبادل المتمثلة بمشروع الحزام والطريق، وهو أكبر مشروع تجاري استثماري من حيث عدد الدول المستهدفة، بالإضافة إلى بنك آسيا للاستثمار في البنى التحتية، الذي أطلقته الصين، وانضمت إليه جميع دول المنظومة الغربية، باستثناء الولايات المتحدة واليابان. وهي مشاريع ومؤسسات تنافس مؤسسات التمويل والإدارة النقدية والمالية الدولية القائمة بعد الحرب العالمية الثانية، مثل: صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي.
منافسة الدولار في كل موضع
أي: إذا ما كانت هيمنة الدولار العالمية هي من وزن الاقتصاد الأمريكي، فإن وزن الاقتصاد الصيني قد قاربه، إذا لم يكن قد تعداه بالقيم الحقيقية للإنتاج، وإذا ما كانت هيمنة الدولار من الموقع التجاري الهائل للولايات المتحدة، فإن الصين أصبحت عملياً الشريك التجاري الأكبر لـ 120 دولة عبر العالم، بينما الولايات المتحدة هي الشريك التجاري الأكبر لـ 70 دولة فقط... ثم إذا كانت هيمنة الدولار مرتبطة بهيمنته على تسعير وتداول الطاقة، فإن الصين أصبحت مستورد النفط الأكبر، وأعلنت نظامها لتسعير النفط باليوان، ومبادلته به. وإذا ما كانت هيمنة الدولار مرتبطة بقوته التمويلية والاستثمارية الدولية، فإن الاستثمار والمساعدات الصينية، تعدت الأمريكية وفي مجالات أكثر فعالية، وبتكاليف أقل، ودون شروط...
بقيت للدولار قوتان هامتان، التحكم المالي بالمنظومة الاستثمارية والمصرفية الغربية، وتحديداً عبر الأموال المضاربة العائمة عبر العالم، والقادرة على التأثير باتجاهات السوق العالمية، وتحديداً أسعار العملات، وقيم الدَّين العالمي، وقيم الأسواق المالية.
سلاح المال المضارب والديون
فعلياً حاولت الولايات المتحدة الضغط على الصين من هذا الموقع، عندما تم استخدام الأموال العائمة المضاربة بشكل واسع، لإضعاف العملات وقيم الأسواق في الدول الاقتصادية الصاعدة، حيث خرجت رؤوس الأموال من السوق الصينية بشكل كبير منذ عام 2014، ووصل خروجها إلى مستويات قياسية في عام 2015 ثم أخذت في الانخفاض، وكانت النتيجة أن انخفض سعر صرف اليوان مقابل الدولار بنسبة 14% بين بداية 2014 ونهاية 2016، ثم عاد وضع اليوان للتحسن، والدولار للانخفاض. وذلك بإجراءات حكومية صينية قيدت خروج الأموال، ونظمت الاستثمار الصيني في الخارج، لتخفض الأموال الخارجة من الصين من 761 مليار دولار خرجت في 2015، إلى 166 مليار دولار في العام الماضي، ليعود الاحتياطي الصيني من العملات الأجنبية إلى الارتفاع بعد أن أخذ بالانخفاض خلال الفترة بين 2014- 2016، حيث ارتفع في 2017 بمقدار: 129,4 مليار دولار في 2017، ليصل إلى 3,14 تريليون دولار.
استطاعت الصين أن تحدّ من إمكانية استخدام الفوضى المالية لتخفيض قيمة اليوان، بينما بقيت احتمالات استخدام الديون ورفع تكاليفها ماثلة أمامها، فعملياً 70% من الدَّين العالمي بالدولار، وجزء معتبر منه لدى الصين، حيث يقدر الدَّين في الصين بمقدار 2 تريليون دولار، الأمر الذي سيتطلب من الحكومة الصينية تدخلاً، لتسوية الديون الكبيرة في القطاع الخاص الصيني الممول بنسب هامة عبر الاستثمار المالي العالمي. ولكن في هذا السياق تستطيع الصين أن تستخدم سلاحها الأقوى، وهو: سندات الخزينة الأمريكية التي تملكها، والتي تستطيع ببيعها أن تخفف أسعار وتكاليف الدَّين العالمي، والأهم قيمة الدولار عالمياً، وأن تساهم في إلزام الجميع على مقاصة دولية كبرى لتسوية الديون المسمومة المنشورة عبر العالم.

حتى الحرب صعبة
أفق الأدوات الاقتصادية يغلق في وجه الولايات المتحدة رويداً رويداً بالتعامل مع الصين، وكل الإجراءات تحمل نتائج موازية على الطرفين، إن لم تكن أكثر إيلاماً لاقتصاد الولايات المتحدة. يبقى للدولار أداة التدمير العسكرية الأمريكية... والفوضى الحربية لا التجارية فقط، التي تستطيع إن لم تحقق نتائج وأرباحاً، أن توقف تقدم الآخرين. ولكن إن كان التصعيد العسكري في شبه الجزيرة الكورية، هو تجربة في هذا الاتجاه، فإنها عملياً قد وئدت، ورجحت كفة الحسابات الأمريكية باتجاه التنازل، حيث تكلفة هذه الحرب كبيرة وخسارتها شبه مضمونة، نتيجة قوة الردع الهامة الماثلة في العلاقة الصينية الروسية، فهل ستكون للولايات المتحدة أهداف عسكرية فوضوية أخرى لمواجهة الصين في مواضع أقل صعوبة، مثل: إفريقيا أو أمريكا اللاتينية حيث النفوذ الاستثماري الصيني الهام؟ ألن يكون الردع ماثلاً والخسارات كبيرة كذلك الأمر؟ الولايات المتحدة تبحث عن موضع حرب وفوضى، يبقيها ولو مؤقتاً (وحش الشاشة) ويمنع ولو مؤقتاً السير المتسارع للاقتصاد العالمي في ركب الدفع الصيني لإزالة هيمنة الدولار، حيث تحاول الولايات المتحدة أن تؤخر الضربة قاضية لعصب الهيمنة والربح في المنظومة الغربية.

آخر تعديل على الجمعة, 20 نيسان/أبريل 2018 14:00