«الليرات» تزداد وتتحرك... لكن هل تُنتج فعلاً؟

«الليرات» تزداد وتتحرك... لكن هل تُنتج فعلاً؟

تأتي مجموعة من المؤشرات في مطلع العام الحالي، لتقول: بأن الودائع المصرفية في كل من المصارف العامة والخاصة لا تزال في توسع، ويترافق هذا مع إجراءات وقرارات، تشير بأن باب الإقراض سيفتح، وسيتم تسهيل حركة الأموال من المصارف إلى السوق...

محرر الشؤون الاقتصادية
الودائع قرابة ربع الناتج!
حقق المصرف التجاري السوري زيادة هامة في نسبة ودائعه هذا العام، فالمصرف الذي ساهم في 2016 بنسبة 39% من إجمالي الودائع في المصارف العاملة العامة والخاصة: 890 مليار ليرة من أصل 2250 مليار ليرة إجمالي. قد زاد ودائعه بين 2017- 2016 بنسبة 23% تقريباً، فمن حوالي: 890 مليار ليرة في العام الماضي، ارتفعت الودائع الإجمالية بالليرة وبالعملات إلى 1098.8 مليار ليرة سورية، بزيادة: 208.5 مليار ليرة.
وكذلك الأمر، تأتي مؤشرات لزيادة الودائع في المصارف الخاصة، فبناء على مقارنة أجريت بين ودائع المصارف الخاصة التقليدية، بين عامي 2016- 2017 فإن هذه الودائع ازدادت بنسبة 15.5%.
وإذا ما قدرنا وسطياً، بأن الودائع الإجمالية العامة والخاصة، ستزداد بنسبة تقديرية 20% بين نهاية 2016 ونهاية 2017، فإننا قد نصل إلى رقم ودائع يبلغ: 2700 مليار ليرة مطلع العام الحالي. بزيادة حوالي 450 مليار عن عام مضى.
أي ودائع بما قد يقارب: 6 مليار دولار، ونسبة تقارب 25% من الناتج، إذا ما وافق التقديرات الدولية التي تقول: بلوغه22- 24 مليار دولار تقريباً.
حتى الآن: لا إقراض إنتاجي
تعتبر هذه الكتلة النقدية المودعة في المصارف، كتلة هامة كنسبة من الناتج، وهي قادرة على التأثير في عجلة النمو، فيما لو أدخلت في العمليات الاستثمارية الإنتاجية. وكما يتضح، فإن باب الإقراض الموصد منذ عام 2012 تقريباً، قد بدأ يتزحزح. ورغم أن المصارف أعطت تسهيلات ائتمانية خلال السنوات السابقة، إلا أن التجارة كان لها الحصة الأكبر بنسبة 43% وبمقدار قارب 1.5 مليار دولار، ولكن رغم هذا، فإن القرارات النقدية المتعلقة بالإقراض تؤكد على: الإقراض الإنتاجي، وتقول بأنه يبلغ نسبة 50% من إجمالي التسهيلات المباشرة المنتجة التي يمنحها المصرف خلال سنة ميلادية. وفق قرار مجلس النقد والتسليف بتاريخ 11-4-2017.
فبينما وضعت الكثير من التعليمات في هذا القرار، التي تشدد على أولوية الإقراض للقطاع الإنتاجي، إلا أن الإنتاج لم يتلقّ دفعات إقراضية بعد. وبالمقابل أتت محفزات من قرارات جديدة صادرة عن المصرف المركزي، تتعلق بإلغاء تقييدات عن التسهيلات كافة، التي تعطيها المصارف، وخصت التسهيلات المتعلقة بتمويل المستوردات، والمتعلقة بشراء السيارات. وذلك في تعميم صادر بتاريخ 9-1-2018 إلى المصارف العاملة في سورية كافة. وعموماً لم تقلع عملية الإقراض الفعلية الواسعة بعد، ولا زال على المصارف أن تقدم رؤيتها الإقراضية حول المحددات التي وضعها مجلس النقد والتسليف، ولا زالت بعض التفاصيل موضع أخذ ورد...
التقييدات لمنع انكشاف كتلة الليرة
بدأت جملة من الإجراءات النقدية والمالية منذ أواسط العام الماضي، تشير إلى عودة حركة الإقراض والتسهيلات، وحتى توسيع باب الاستيراد... ورغم أن الحركة بطيئة إلا أنه من الواضح أن الاتجاه النقدي والمالي العام، هو نحو إعادة تحرير حركة الليرة السورية، بعد التقييدات الواسعة خلال السنوات الماضية.
تلك التقييدات التي أعاقت الإقراض الإنتاجي في المناطق التي كان من الممكن الإقراض فيها، وحجبت كتلة نقدية هامة عن الإنتاج الحقيقي والاستثمار، والتداول.
وعملياً، كانت هذه التقييدات تهدف بالعمق، إلى منع انكشاف الكتلة الكبيرة من النقد المُصْدر، حيث أصدر أكثر من 3900 مليار ليرة بين عامي 2011- 2016، وما يصل من هذه الكتلة إلى المصارف كان من الصعب تحريكه بسهولة. وكان الهدف جعل جزء من هذه الكتلة الكبيرة غير سهل الحركة، فلا تنخفض قيمة الليرة بسرعة. وعموماً فإن هذه الإجراءات التقييدية، إن كانت تهدف إلى الحفاظ على قيمة الليرة، فإنها لم تحقق غرضها خلال سنوات الأزمة السابقة، بل ربما يكون مفعولها عكسياً، حيث كان ينبغي أن تتحول هذه الأموال إلى إنتاج حقيقي لتحمي الليرة، لا أن تحجب ويصبح تداولها صعباً!

تتخذ اليوم إجراءات لتسهيل حركة النقود، وكتلة الليرة في السوق السورية، عبر الإقراض... وهذه العملية مفيدة لتحريك الإنتاج، ولكنها قد تكون ضارة إذا لم تذهب هذه الأموال إلى الإنتاج الفعلي! أي إذا لم تتشكل حوافز إنتاجية حقيقية، متمثلة بانخفاض الكلف، وارتفاع العائدية وإمكانية التسويق سواء خارجياً، أو داخلياً، برفع إمكانات الاستهلاك. وإذا لم يتم هذا فإن عمليات الإقراض ومنح التسهيلات ستأخذ منحى خدمي واستهلاكي، بل ومضاربي حكماً، ولن تستطيع القوانين أن توقفها، بل ستضطر للتكيف معها. لأن القرارات لا تكفي وحدها لتغيير منحى القوانين الموضوعية في السوق. والتي تقول: طالما أن أرباح الإنتاج في سورية منخفضة، وإمكانية استهلاكه وتسويقه منخفضة كذلك الأمر، فإن آلاف مليارات الليرات السورية المتجمعة في السوق، ستتجه إلى الأماكن الأكثر ربحاً: في التجارة وريع العقارات والخدمات، وحتى القطاعات غير الشرعية، ولن تتجه نحو إنتاج حقيقي. لذلك فإن المبادرة يفترض أن تكون من قبل الجهات القادرة على الإنتاج بمرابح أقل، أي، الجهات العامة: الخدمية والإنتاجية، وباتجاه استثمارات ترفع العائدية، وتخفض التكاليف العامة، حتى تعود عجلة الإنتاج والاستهلاك للدوران بشكل أسرع، وحتى تلحق السوق بالاستثمار العام.

*هوامش:
د. علي كنعان السياسة المالية والنقدية في سورية- مؤتمر سورية الأم: 12-2017.
د. دريد درغام مرتكزات السياسة النقدية في دعم الاستقرار- ملتقى الحوار الاقتصادي: 8-2017.
تصريحات مدير المصرف التجاري السوري: فراس سلمان 1-2018.