أرامكو... والصراع على إزاحة الدولار

أرامكو... والصراع على إزاحة الدولار

شركة أرامكو السعودية هي أكبر شركة نفطية عالمية، وتملك أكثر من 100 حقل نفط وغاز في المملكة العربية السعودية، مع احتياطي بحوالي 264 مليار برميل من النفط، وهو يشكل حوالي ربع الاحتياطي المكتشف من النفط العالمي.

في عام 2013 أنتجت أرامكو 4.3 مليار برميل من النفط الخام، ويشير المحللون إلى أن الشركة تستخرج سنوياً ضعف كمية النفط والغاز التي تستخرجها الشركة الأكبر في الولايات المتحدة إكسون موبايل.
لا تظهر شركة أرامكو في التصنيفات العالمية لأكبر منتجي النفط عبر العالم، وذلك لأنها لا تنشر بياناتها المالية كالأرباح، والمبيعات، والأصول، أو القيمة السوقية، على اعتبارها شركة حكومية. ولكن رغم ذلك فإن الجميع يعلم بأن الشركات النفطية العالمية الأخرى ليست أكثر من (أقزام) مقابل شركة المملكة.

10 تريليون أم 400 مليار؟!
في بداية عام 2016 فجرّت إدارة الشركة السعودية قنبلة بإعلانها عن خطط لخصخصة جزء من الشركة عبر طرحها في الأسواق المالية. العرض كان لبيع حصة من شركة أرامكو لا تتعدى 5%. وقد تلا ذلك عمليات تقدير للقيمة السوقية للشركة لمعرفة حجم المبيع، وفي اليوم التالي للإعلان، نشر الإعلام العالمي قيمة سوقية تقديرية صادمة مبنية على المحلل المالي المستقل محمد الصبان، وهو مستشار سابق في وزارة النفط السعودية. الذي أشار إلى أن الشركة تقدر قيمتها بحوالي 10 تريليون دولار أمريكي. وللمقارنة فإن قيمة أكبر شركة نفط أمريكية إكسون موبايل في 2016 بلغت: 350 مليار دولار بقيمة الأسهم السوقية. وتتالت بعدها التقديرات حول قيمة أرامكو وتراوحت جميعها قرابة 2 تريليون دولار. ما يعني أن المملكة ستستطيع أن تجمع حوالي 100 مليار دولار من بيع الـ 5% منها فقط.
أجرت الشركة تعديلات هيكلية على الطريقة التي تُنظم وتُدار بها، واتخذت خطوة ملفتة لتخفيض ضرائب الأرباح التي تدفعها الشركة، والتي كانت نسبتها 90%، إلى 50% وهي النسبة التي تدفعها شركات النفط الغربية.
ولكن منذ بداية عام 2017، بدأت تقديرات القيمة السوقية لشركة أرامكو تتراجع بشكل غير مقبول. وقد خفض البعض التقديرات إلى 1.5 تريليون دولار، ومن ثم إلى تريليون، حتى وصل البعض إلى تقدير قيمتها السوقية بحوالي 400 مليار دولار، لتصبح قريبة من القيمة السوقية لإكسون موبايل. وفجأة بدأ الاستشاريون الغربيون يتحدثون عن الحاجة إلى حسومات على قيمة الشركة السعودية، باعتبارها شركة حكومية. وأنه طالما أن الشركة تدفع 50% من أرباحها ضرائب للحكومة، والحكومة تمتلك الشركة، فإنها تستطيع أن تعيد الضرائب إلى 90% في أية لحظة وبجرة قلم. بالإضافة إلى المخاوف من عودة أسعار النفط العالمية إلى الانخفاض خلال السنوات القليلة القادمة. ولكن كل هذا لا يفسر لماذا انخفضت التقديرات الغربية لقيمة الشركة خلال 2017.

الصين: إما الدولار أو النفط!
يذهب البعض إلى تفسير هذا التخفيض بأنه جزء من الضغط الذي تمارسه واشنطن على الرياض، لأسباب تتعلق إلى حد بعيد بأسواق العملات، وأسواق النفط. وهذا الضغط الآتي من الولايات المتحدة هو رد فعل على الضغط المتشكل على الرياض من الصين. فالصين تريد أن تشتري النفط السعودي باليوان الصيني عوضاً عن الدولار.
الصين هي المستورد الأكبر للنفط عالمياً، بعد أن أزاحت الولايات المتحدة من الصدارة، وكذلك الأمر هي زبون السعودية الأكبر، وهي لا تريد أن تدفع مزيداً من الدولارات مقابل النفط. وبالمقابل فإن العديد من موردي النفط إلى الصين بدأوا فعلياً وبشكل جزئي يفتحون حسابات باليوان الصيني، وفي مقدمتهم نيجيريا، وإيران. وكذلك الأمر بالنسبة لروسيا التي بدأت ببيع جزء من النفط للصين باليوان.
السعودية المترابطة مع الولايات المتحدة إلى حد بعيد، رفضت بيع نفطها للصين بعملتها. وهذا الرفض يكلف السعودية غالياً: فبكين بدأت تعتمد عملياً على مزودين آخرين عدا عن السعودية، وبينما كان السعوديون هم المصدّر الأكبر للصين، فإن روسيا قد أزاحتهم مؤخراً، وأصبحت رقم واحد، وإذا ما استمر هذا الرفض فإن السعودية قد تخسر السوق الصينية.
وبالمقابل فإن التحول السعودي لبيع الصين نفطاً مقابل اليوان، سيعني عملياً التحدي الأكبر للبترودولار. في مواجهة هذا التهديد فإن الولايات المتحدة تضغط على شركة أرامكو بتخفيض قيمتها السوقية، وذهبت أكثر من ذلك عبر أصوات من فريق الرئيس الأمريكي ترامب، التي اقترحت منع إدراج أرامكو في بورصة نيويورك. وبناء على هذا فإن الرياض قد أعلنت أنها ستؤجل إدراج أسهمها لبيع الـ 5% لوقت لاحق. ولكن المشكلة لا يمكن الخروج منها فالسعودية عليها أن تختار بين الدولار واليوان.
رجحت الصين كفتها مؤخراً، وذلك بتقديمها عرضاً بشراء الـ 5% من أسهم أرامكو، بشكل مباشر، بما يجنب السعودية الطرق التقليدية لبيع حصص الشركات بإدراج أسهمها في الأسواق المالية الغربية المركزية. وبالمقابل فإن الصين تطرح سعراً مناسباً: 100 مليار دولار، أي بناء على تقدير قيمة الشركة ككل بحوالي 2 تريليون دولار.
تقف السعودية في اللحظة الحالية أمام منعطف صعب، سيعبر مساره عن واحد من المفاصل النهائية في تغير ميزان القوى الدولي. وعلى السعودية أن تختار بين اليوان والدولار، فإذا ما اختارت الدولار، فإنها قد تخسر السوق الصينية وأكبر مستورد عالمي للنفط، وقد تبيع حصة من أرامكو في الأسواق المالية الغربية بسعر قابل للمضاربة باتجاه التخفيض لتكون كبقية الشركات الأمريكية الكبرى. وبالمقابل فإن الصين تفتح لها احتمالات جدية بعرض شراء مغرٍ للـ 5% التي تريد السعودية بيعها من أرامكو، وبعلاقة جيدة تتيح استمرار تدفق النفط السعودي إلى المستورد العالمي الأكبر، في ظروف تراجع الطلب العالمي على النفط، وتراجع الطلب لدى الشريك الأمريكي السابق... ومقابل هذا تريد الصين أن تشتري النفط بعملتها، وليس بالدولار، ولكن الجميع يعلم أن هذا يعني نهاية البترودولار، وخطوة أساسية في نهاية الدور العالمي للدولار.

من مقال: The Intrigue at the Heart of the Beijing-Riyadh-Washington Triangle- VALENTIN KATASONOV

معلومات إضافية

العدد رقم:
839