الدولار دون النفط... دولار غير عالمي
ليلى نصر ليلى نصر

الدولار دون النفط... دولار غير عالمي

لا تزال الولايات المتحدة المستهلك الأكبر للنفط، ولكن مع ذلك فإن الاستهلاك الأمريكي للنفط قد تراجع إلى حد بعيد في السنوات الأخيرة الماضية. المنتدى الاقتصادي العالمي لاحظ في عام 2015 التراجع الكبير في الطلب الأمريكي على النفط منذ أزمة عام 2008، ولكن الإعلام تجاهل هذه المعطيات.

بينما كان الطلب يتراجع، فإن سعر البرميل قد استمر في الارتفاع بسبب سياسة الفيدرالي الأمريكي التضخمية عبر التيسير الكمي، وتداول النفط في البورصات. وتقريباً منذ أن بدأ البنك الفيدرالي الأمريكي بتقليص سياسة الضخ النقدي، فإن أسعار النفط بدأت تنخفض بشكل خطي، مع انكشاف الطلب الفعلي المتراجع.
وقد أعلنت EIA إدارة معلومات الطاقة العالمية، عن حالة ركود محبط في الطلب العالمي على الطاقة، حيث الولايات المتحدة هي المحرك الأساسي لهبوط الاستهلاك منذ عام 2010.
وانخفض الطلب الوسطي اليومي العالمي من 3.5 مليون برميل يومياً في 2010 إلى 0.7 مليون برميل تقريباً، ولم يرتفع حتى عام 2017 سوى إلى 1.5 مليون برميل.
إن البيانات الرسمية الأمريكية حول مستوردات النفط الخام، تشير إلى أن السوق الأمريكية بدأت تغرق في ركود الطلب على النفط منذ 2009، ووصلت إلى مستويات لم تظهر منذ التسعينيات.
وفي المقابل فإن الصين قد سبقت الولايات المتحدة في الطلب العالمي، وباعتبارها المستورد الأكبر عالمياً للنفط. والتعاطي السائد مع تراجع الاستيراد النفطي الأمريكي، هو القول: أن النفط الصخري أصبح قادراً على تغطية جزء من الطلب. ولكن البيانات تقول: أن الأمريكيين يستهلكون كميات أقل من المنتجات النفطية منذ عام 2008. أي: أنها تشمل المصادر النفطية جميعها.
ويطرح تساؤل هنا حول سيطرة الدولار على سوق النفط العالمية، طالما أن الولايات المتحدة لم تعد المستهلك الأكبر عالمياً، وطالما أنّها أصبحت تعتمد على نفطها الصخري أكثر من اعتمادها على النفط العالمي؟
إضافة إلى هذا فإن الوضع الجيوسياسي العالمي يزيد من المخاطر. حيث إن 40% من النفط الإيراني يذهب إلى الاتحاد الأوروبي، وفي المقابل فإن الولايات المتحدة تجدد العقوبات على إيران. الأمر الذي سيدفع نحو مزيد من الدفع لتخلي إيران عن تصدير نفطها بالدولار.
وعلى هذا المقياس تقاس حالات أخرى، أي: كلما قلّ المستفيدون من سيطرة الدولار على النفط، كلما ازداد المسعى نحو استبدال الدولار لتداول النفط.
الصين بتعميقها لروابطها مع روسيا، والتي أصبحت تنافس السعودية على المركز الأول في تأمين حاجات الصين من البترول. بالإضافة إلى المساعي الروسية الصينية لتوسيع تبادلهما بعملاتهما المستقلة.
والأهم هو: ما أعلنته الصين حول إتاحة شراء النفط باليوان القابل للتبديل بالذهب، الأمر الذي سيذهب للتطبيق خلال شهرين، كما تقول الجهات الرسمية الصينية.
وأخيراً، السعودية، الشريك الأساس للولايات المتحدة في هيمنة البترودولار، تبتعد الآن عن هذه الشراكة الطويلة. فالموقف الأمريكي من التوتر القطري_ السعودي، هو واحد فقط من مظاهر التباعد. والأوضح هو تأثير التوسع الصيني في المنطقة، وما نتج عنه من الإعلان بأن السعودية قد (تجبر) على الانضمام إلى تبادل النفط بعملات غير الدولار.
إن للنفط أهمية عالية، لأنه إلى جانب العملة، يعبر عن وضع الاستقرار الاقتصادي، فعندما يتراجع استهلاك الطاقة، فهذا يعني أن الاقتصاد برمته متراجع.
عندما يكون لدى دولة سيطرة احتكارية على تجارة الطاقة العالمية، عبر عملتها كما في حالة الولايات المتحدة الأمريكية، فإن إدماناً مالياً يصيبها.
مجلة فورين بوليسي المجلة الرسمية لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، حذرت في عام 2009 من (مؤامرة حول الدولار)، ولكنها خففت من تأثيرها قائلة: إن ابتعاد النفط عن الدولار لن يحمل تأثيرات على الاقتصاد الأمريكي، وإن تجارة النفط بالدولار ليست أكثر من اتفاقية، وإن كنا نتفق معهم في أنها ليست أكثر من اتفاقية وهي عرضة للتبديل، إلا أن تأثيراتها على الاقتصاد الأمريكي ستكون كبيرة. تريليونات الدولارات موجودة في الخارج، ووظيفتها الأساسية مرتبطة بوظيفة الدولار كعملة أساسية في التجارة الدولية، وعلى أساس كون الدولار الاحتياطي العالمي. فما الذي تقدمه هذه الدولارات إذا ما فقد الدولار هذه الوظيفة؟ لا شيء... وبالتالي فإن مجمل هذه الدولارات المنتشرة عالمياً، ستتدفق إلى الولايات المتحدة عبر قنوات مختلفة، وسيكون لهذا آثار كبيرة على قيمة الدولار، عبر اتجاهات السوق ومحاولة التخلي عن الدولار عالمياً، وفي المقابل فإن التضخم في الولايات المتحدة سيرتفع بصورة غير مسبوقة.
إن هذه العملية قد بدأت بالفعل، ومن الواضح أنها ستؤدي إلى عملية إعادة تموضع في وضع العملات العالمية.
البعض يعتقد بأن هذه العملية إيجابية، وأنها ستشكل (ربيعاً عالمياً جديداً)، وستؤدي إلى تقليص التمركز في الاقتصاد العالمي، وستؤدي إلى عالم متعدد الأقطاب، ولكن الوضع أعقد من ذلك...

*من مقال: Lies And Distractions Surrounding The Diminishing Petrodollar-Brandon Smith

معلومات إضافية

العدد رقم:
838