هل تحسنت فعلاً مؤشرات التجارة الخارجية؟!

هل تحسنت فعلاً مؤشرات التجارة الخارجية؟!

كعادتها السنوية...لا تأتي الأرقام الحكومية حول التجارة الخارجية، إلا عبر تصريحات المسؤولين وليس عبر بيانات موثقة، وكعادتنا نتابع هذه التصريحات لنرصد التغيرات في المؤشرات الاقتصادية الهامة، وأثرها على الوضع الاقتصادي.

 

التجارة الخارجية في عام 2016 شهدت مؤشرات تحسن بحسب التصريحات الحكومية، من حيث تراجع المستوردات، وزيادة الصادرات بشكل نسبي، ولهذه التغيرات آثار على سعر الصرف، ودلالات مختلفة.

تقول تصريحات وزارة الاقتصاد: عن تطورات التجارة الخارجية خلال عام 2016 بتراجع المستوردات بنسبة 31% عن عام 2015، وبما يقارب الثلث، وتحسن تغطية الصادرات للمستوردات لتشكل ما نسبته 24% وسطياً من حجم المستوردات.

انخفضت المستوردات من 4.8 مليار دولار عام 2015 وصولاً إلى 3.3 مليار دولار تقريباً، بناءً على النسبة الحكومية المعلنة، بينما ارتفعت قيمة الصادرات من 650 مليون دولار عام 2015 إلى حوالي 790 مليون دولار في عام 2016 بنسبة زيادة 21%، ما يعني أن كتلة المستوردات قد انخفضت إلى أدنى مستوىً لها، خلال الأزمة.

تراجع المستوردات 

من تراجع الاستهلاك

تقول الحكومة: بأن المستوردات قد تراجعت بفعل سياسة ترشيد الاستيراد، رغم أن المؤشرات الدولية لأرقام التجارة الخارجية في سورية، تشير إلى أن المستوردات «غير المرشدة» مثل الكهربائيات، وقطع السيارات، هي النسبة الأكبر من الواردات إلى سورية في عام 2015 على سبيل المثال، وتوفر أنواع السلع المختلفة في الأسواق السورية، لا يدلل على أثر سياسة التضييق على المستوردات!

إن تراجع الاستيراد يرتبط بالدرجة الأولى بتراجع الطلب المحلي، نتيجة التراجع المطّرد في إمكانات الاستهلاك والإنتاج. ويدلل عليها التقلص الكبير في حصة أغلبية السوريين من أصحاب الأجور من مجمل الناتج، نتيجة تراجع الأجور، وتوسع البطالة، فالحصة التي تقدر في عام 2016 بنسبة 11% من الناتج لا تكفي عملياً إلا لاستهلاك نسبة تفوق 90% من السوريين لضروريات الاستمرار: كالسكن والغذاء! بينما استهلاك النخبة من أصحاب الربح الكبير، فمهما بلغت إمكانات استهلاكهم إلا أن عددهم القليل يؤثر في نوعية المستوردات، أكثر مما يؤثر في كمها.

المستوردات ليست 

الحاسمة في سعر الدولار!

التجارة الخارجية بشقيها: الاستيراد والتصدير، من العوامل المؤثرة على طلب وعرض القطع الأجنبي واحتياطاته، حيث إن المستوردات تمثل طلباً على الدولار، بينما تشكل الصادرات معروضاً منه، ويعبر الميزان التجاري عن حصيلة هذا الأثر، أي الفرق بين الاستيراد والتصدير. وعموماً إجمالي عجز الميزان التجاري خلال الفترة بين 2011-2016، قد بلغ 32.3 مليار دولار، ما يعني أن الطلب على دولار التجارة الخارجية أكبر من المعروض منه بهذا المقدار، وعملياً خسارة هذا المبلغ من القطع الأجنبي لصالح الدول الموردة، وهي تقارب خسارةً وسطيةً 5.3 مليار دولار سنوياً.

حيث نسبة تغطية الصادرات للمستوردات انخفضت من 47% عام 2011 إلى 13.5% في عام 2015، ولترتفع بناءً على التصريحات الحكومية في 2016 إلى 24%، بمقابل ذلك انخفض العجز من 4.15 مليار دولار عام 2015 إلى 2.5 مليار دولار في عام 2016.

ونظرياً، من المفترض أن ينعكس هذا التحسن في عام 2016 في وضع عجز الميزان التجاري، تحسناً في أوضاع سعر الصرف، وتراجعاً في سعر الدولار، إلّا أن هذا لم يحدث، فقد ارتفع سعر الصرف في عام 2016 بنسبة تقارب 71%، وهي نسبة قريبة من نسبة ارتفاعه في عام 2015: 69%، عندما كان عجز الميزان التجاري أعلى، وحجم المستوردات أكبر والصادرات أقل!

فالسياسة الحكومية التي تربط ارتفاع سعر الصرف بمسألة الاستيراد بالدرجة الأولى، مخطئة في قراءة البيانات، حيث إن سعر الصرف يرتفع لأسباب أخرى. فعلى سبيل المثال: شهد عاما 2011، و2014 أعلى مستوىً لعجز الميزان التجاري، حيث فاقت الواردات الصادرات بمقدار 9.1 مليار دولار في 2011، و6.1 في 2014 وبالمقابل ارتفع سعر الصرف بنسبة 6% فقط في 2011، و27% في عام 2014، وهي نسب أقل من عامي 2015 و2016، العامين الذين سجلا عجزاً أقل، وارتفاعاً غير مسبوق في سعر صرف الدولار.

ما يدل على أن الطلب على الدولار لأغراض مختلفة عن التجارة الخارجية، هو أكثر تأثيراً على تقلبات سعر الصرف، كالطلب لغرض المضاربة، والاكتناز، ولتهريب الأرباح ورؤوس الأموال إلى خارج البلاد، حيث إن الأرباح التي تبلغ نسبة 89% تقريباً من الناتج في عام 2016، من المؤكد أنها لا تستهلك أو تستثمر بأكملها داخلياً، وإلا لكان الناتج المحلي الإجمالي قد ارتفع!

 

 

تراجع الفرق بين المستوردات والصادرات في عام 2016، بالقياس إلى عام 2015، نتيجة تراجع المستوردات بالدرجة الأولى وزيادة في الصادرات ثانية، ولكن هذا التحسن في مؤشرات التجارة الخارجية، يخفي وراءه مؤشرات سلبيةً، فالمستوردات لم تتراجع لأن الإنتاج المحلي قد توسع، بل لأن قدرات الاستهلاك المحلي قد تراجعت! بينما ارتفاع الصادرات يرتبط بفوائض بعض أنواع المنتجات الزراعية، التي يجد تجارها جدوى من فوارق التكلفة المنخفضة لأسعار المزارعين، مقابل الأسعار العالمية، أي من فوارق قيمة العملة. 

وهذا التحسن في مؤشرات التجارة الخارجية، يعني أن خسارة القطع الأجنبي لصالح الخارج، كانت أقل في هذا العام عن أي عام آخر من أعوام الأزمة، ومع ذلك فإن سعر صرف الدولار، ارتفع في 2016 بنسبة قياسية قرابة 71%، ما يدل على أن التركيز على «ترشيد الاستيراد» للتحكم بسعر الدولار، غير ذي جدوى بمفرده، لأن العوامل الأكثر تأثيراً ليست في الطلب على دولار الاستيراد، بل في طلب أصحاب الأرباح على الدولار: للمضاربة والاكتناز، ولإخراج أرباحهم إلى خارج الحدود...

معلومات إضافية

العدد رقم:
802
آخر تعديل على الأربعاء, 29 آذار/مارس 2017 16:56