مسلسل إجازات الاستيراد.. بطولة الحكومة والتجار

مسلسل إجازات الاستيراد.. بطولة الحكومة والتجار

أسبوعياً يتجدد السجال بين الحكومة والتجار على إجازات الاستيراد وتمويل المستوردات، في مسلسل مستمر لا يستقر على قرار..

 

فرة تقول الحكومة أنها تقيد المستوردات، وأخرى تقول أنها تمول مختلف أنواع المستوردات، ولاحقاً تصدر دليلاً يفند المواد المسموحة والممنوعة، ومع هذا يبقى التجار بحاجة إلى مزيد من الاستفسار والتوضيح..

وتأتي فترات أخرى لترتفع الوتيرة، فتتهم الحكومة التجار ببيع الإجازات، وعدم استخدام دولار التمويل في الاستيراد، ورفع الأسعار فوق ارتفاع سعر الصرف، ويتهم التجار الحكومة بأنها لا ترسو على بر سياسة وقرار، وتميز بين المستوردين، وتعطي بعضهم دوناً عن بعض..

فماذا يدور وراء كل هذا؟! قد لا نمتلك الإجابة الدقيقة، ولكننا نستطيع القول بأن التجارة الخارجية والاستيراد تحديداً والذي أصبح خلال الأزمة يشكل نسبة تقارب 30% من الناتج، هو موضع صراع مصالح. حيث أن سلطة السماح والمنع، عبر الإجازات، هي باب هام من أبواب الضغط لتوزيع حصة من قطاع يبلغ قرابة ثلث الناتج. ويضاف إلى ذلك أن القطاع مقترن مع مبالغ هامة لتمويل المستوردات وصلت إلى 980 مليون دولار تقريباً في عام 2015. وهذه الملايين من الدولارات الحكومية مسعرة بسعر أقل من السوق غالباً، وكما يعلم الجميع تعتبر حيازة الدولار الرخيص في أوقات تغيرات سعر صرف الدولار التي امتدت طوال عمر الأزمة، ميزة تتيح ربح من فوارق السعر.

يضاف إلى هذا وذاك أن التسهيل الواسع لعمليات الاستيراد وإزالة اشتراط الموافقة، يتيح توسع في استيراد البضائع وكسر في أسعار السلع المستوردة الاحتكارية، وهذا لا يناسب قوى الاحتكار! وأخيراً استمرار السماح والمنع، يعني استمرار تدفق البضائع المهربة، وهو ما ينبغي قراءته على أنه حصة هامة للفساد المنتعش من أسواق التهريب..

هل يمكن حل العقدة؟!

حجة الحكومة في تقييد الاستيراد، هي منع توسع الطلب على الدولار في السوق، وهذا صحيح لو أنها قادرة على المنع. فتقييد الاستيراد لا يعني شيئاً، طالما أن الكتلة الأساسية من الدولار موجودة في السوق، والكتلة الأساسية من البضائع هي بضائع مهربة، بالتالي فإن التقييد قد يفيد في توسيع الطلب على دولار السوق، ولا حل فعلي إلا بتقليل الحاجة للاستيراد من أساسه!

فإن كانت الحكومة فعلاً تريد أن تقلل الطلب على الدولار، وتستمر بتأمين تدفق السلع، عليها أن توسع سوق الاستيراد الحكومي للمواد الأساسية في ظروف الأزمة، والتي تنعش جيوب التجار أصحاب الحظوة من مستوردي الكم الأكبر من السلع الغذائية وبعض السلع الأساسية الأخرى. لتترك حينها للسوق أن تؤمن السلع الأخرى من دولاراتها الخاصة، وحينها إمكانيات السوريين الاستهلاكية الضيقة ستقلص الطلب على الدولار، وعلى الاستيراد، وتودي به إلى استقرار عند مستوى الطلب الموضوعي.

لكن الحكومة ستستمر بالتقييد الشكلي، لأنها لا تخطط لتوسيع دور جهاز الدولة في السوق، والتجار سيستمرون بالضغط على الحكومة لتزيل التقييد، ولكنهم سيهاجمونها أشد هجوم إذا ما سعت لتضمن تحكم جهاز الدولة بتجارة المواد الأساسية للسوريين بأسعار غير احتكارية، أو بأسعار مدعومة.

وبين هذا وذاك ستستمر التصريحات والتجاذبات وستبقى بعض قوى السوق المستفيدة من سلطة جهاز الدولة، تزاحم قوى السوق التي لديها قوة الدولار والعلاقات وإمكانيات التهريب، جميع هؤلاء مستفيدون من سياسة اقتصادية، لا تريد أن تفعّل دور جهاز الدولة وحصته من السوق لمصلحة عموم السوريين، الذين يلعبون دور المشاهدين حتى الآن..

معلومات إضافية

العدد رقم:
796