الطاولة المستديرة حول الشراكة السورية-الأوروبية.. هل هناك فوائد ستحققها سورية من مشاركة الأوربيين؟

استكمالاً لما قدمت له في عددها السابق بخصوص الندوة التي أقامتها الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية في مكتبة الأسد بدمشق يوم الأربعاء بتاريخ 17/12/2008 والتي ناقشت فيها على طاولة حوار مستديرة الحالة السورية في إطار «الشراكة الأوروبية ـ المتوسطية/ الاتحاد من أجل المتوسط»، تتابع قاسيون عرض ما دار في الندوة التي شارك فيها أكثر من 20 اقتصادياً سورياً من اتجاهات مختلفة، مع التذكير أن غاية الندوة كانت مناقشة الأهداف السياسية والاقتصادية والثقافية التي يتوقع أن تحققها العلاقات الأوروبية ـ المتوسطية عبر اتفاقية المشاركة التي وقعتها الحكومة السورية بالأحرف الأولى بتاريخ 14/12/2008.

افتتح د. منير الحمش الندوة بكلمة أورد فيها عدداً من النقاط ليفتح دائرة النقاش بين المتحاورين، فبيّن أن الدول الصناعية المتقدمة حين تطرح مشروعاً لرسم العلاقة مع العالم الخارجي، فغالباً ما يكون هذا المشروع معبراً عن مصالح هذه الدول بالدرجة الأولى، وربط د. الحمش في كلمته بين مستجدات الوضع العالمي اقتصادياً وسياسياً حيث نوه إلى «الأحداث الهامة التي حصلت في نهاية القرن الماضي كانهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة، وحرب الخليج الثانية التي أدت إلى إخراج العراق من الكويت بقيادة الولايات المتحدة، وإعلان الرئيس الأمريكي بوش الأب قيام نظام عالمي جديد وحيد القطب بزعامة الولايات المتحدة بالإضافة إلى مفاوضات السلام في مدريد التي انتهت إلى لا شيء، بينما كانت تجري مفاوضات سرية بين بعض الفلسطينيين وإسرائيل انتهت إلى اتفاق أوسلو، وقيام منظمة التجارة العالمية التي أدخلت العلاقات الاقتصادية الدولية في مرحلة جديدة، وإعلان شمعون بيريز «مشروع الشرق الأوسط الجديد»، وإطلاق أوروبا (مشروع الشراكة الأوروبية المتوسطية) ». مبيناً أن مشروع الشراكة مع أوروبا يحمل وجوهاً سياسية وأمنية واقتصادية ومالية واجتماعية وثقافية إنسانية عديدة تستحق البحث فيها لتبيان مدى صلاحها وموافاتها للتطلعات السورية.

وبعد ذلك قام د. عابد فضلية بإثارة مسألة أهمية الشراكة، وما هي الأولويات بالنسبة لكل جانب (السوريين والأوروبيين)، موضحاً وجود من يعتقد أن اتفاق الشراكة سيضم جانبين متوازيين في حين أن سورية دولة صغيرة اقتصادياً وإمكاناتها متواضعة جداً في مقابل 27 دولة تضم أهم الدول الصناعية في العالم، كما تطرق فضلية إلى مسائل الإصلاح الاقتصادي وقطاع الأعمال ومكافحة الفقر، مشيراً إلى إجابة النائب الاقتصادي عبد الله الدردري عندما سئل عن الجوانب الأخرى التي تحملها اتفاقية الشراكة عدا الجانب الاقتصادي حين قال (الدردري): «إن الزمان والمكان لا يسمحان بشرح تفصيلي لهذا الموضوع، ولكن ستتولى هيئة تخطيط الدولة بالتعاون مع المفوضية الأوروبية برنامجاً إعلامياً تفصيلياً يوصل الرسالة إلى المواطنين والمعنيين وقطاع الأعمال والإدارات الحكومية بشكل واضح حول ماهية اتفاقية الشراكة وأثارها المتوقعة والتغيرات في القوانين والتشريعات والأنظمة نتيجة توقيع الاتفاقية». وأبدى فضلية استغرابه لطريقة تعامل الحكومة مع الأمور التي تتعلق بأمن البلاد، فبرأيه يجب أن تتم مثل هذه الاتفاقيات «من الأسفل إلى الأعلى»، وأنه من الضروري للجهات التي سوف تعلم بعد توقيع الاتفاقية أن تكون قد ناقشت هذه الاتفاقية وبنودها وأبدت رأيها فيها قبل أن يتم توقيعها، معتبراً إعلام هذه الجهات بالاتفاقية بعد توقيعها أمر يضع إشارة استفهام كبيرة.

وبدوره رأى الأستاذ فؤاد اللحام أن الاتفاقية قد أصبحت أمراً واقعاً، وأنها ستستمر ما لم يطرأ حدث غير متوقع، معتبراً أن ما يميز هذه الاتفاقية هو أن التوقيع عليها قد تم في ظل الأزمة المالية العالمية الأمر الذي سيفرض استحقاقات إضافية ستتوالى خلال الفترة المقبلة، وتطرق اللحام إلى قطاع الصناعة في سورية مشيراً إلى أن توقيع الاتفاقية يعني إعلاناً واضحاً وصريحاً من الحكومة لتبني اقتصاد السوق، وذلك يعني تخليها عن القطاع العام. وبين اللحام أن هذه الاتفاقية تأتي في ظل تراكم كبير لمشاكل الصناعة الوطنية بعد ما واجهته من تحديات اتفاقية منطقة التجارة العربية الكبرى التي أتت بالسلع الصينية باسم مصري أو إماراتي، وتأتي في ظل التلاعب بشهادات المنشأ وفي ظل ارتفاع أسعار النفط ولاحقاً الأزمة المالية العالمية، وحذر اللحام من أن الصناعة الوطنية باتت في خطر .

د. قدري جميل رأى أن هناك تغيراً جذرياً قد حصل في الظرف الدولي، ما يستوجب دراسة الانعكاسات القريبة والمتوسطة والبعيدة المدى لتطور الأزمة العالمية على الاقتصاد الأوربي، وانعكاسها علينا بطبيعة الحال من خلال اتفاق الشراكة، وأكد د. جميل أن خطورة الاتفاقية تكمن في جوهرها الذي يقضي بضرورة إجراء تغيير بنيوي في اقتصادنا حتى نظهر (حبابين وأوادم)، وعلى أساس هذا التغيير البنيوي بالهيكلية الاقتصادية «يعدوننا بأنهار الحليب والعسل في المستقبل»، مشدداً أن هذا التغير المطلوب في البنية الاقتصادية السورية له وظيفة سياسية ربما تنبه لها الأوروبيون، هدفها الأول إضعاف بنية البلد من أجل فرض شروط سياسية لتسوية المنطقة في نهاية المطاف. وأضاف د. جميل «مازلنا إلى الآن لا نجيد التعامل إلا من خلال جانب واحد إما سياسي أو اقتصادي، في حين أن اللعبة مركبة سياسياً واقتصادياً، إذ يحكى ويوضع شرط اقتصادي في الواجهة بينما هو في الجوهر سياسي فنأكل المقلب كما حصل معنا بالتوقيع بالأحرف الأولى قبل أربع سنوات على الاتفاق نفسه، فقبل أن نوقع ذهبنا وقدمنا تنازلات اقتصادية في مجالات الإصلاحات الاقتصادية بالطريقة التي رسموها لنا، ثم أكلنا المقلب وأوقفوا التصدير، وذهبت كل التنازلات التي قدمناها في مجال تحسين (أخلاقنا) اقتصادياً (ببلاش)، وفوق كل هذا عاقبونا سياسياً.. بينما قدمنا نحن تنازلات اقتصادية عديدة، بمعنى أننا سمعنا كلامهم اقتصادياً وأجرينا تغيرات بالبنية، نلمس أثارها وندفع ثمنها اليوم، ورغم كل ذلك بدل أن يشكرونا فقد عاقبونا! واليوم في التوقيع الثاني على الاتفاقية لا توجد أية ضمانة، ولكن من غير المسموح أن تجري الأمور بالشكل نفسه مرة ثانية» وعبر د. جميل عن اندهاشه من التهافت السوري على الأوروبيين وكأنهم مركز العالم علماً أنهم لا يملكون القوة العسكرية لتحقيق مصالحهم، حيث وضّح أن «أوروبا لديها مخططات ولكن ليس لديها الإرادة السياسية الكافية لتحقيق مصالحها، لذلك يجب علينا أن نفكر إلى جانب الأوروبيين بخيارات أخرى»، وفي نهاية مداخلته عبر د. جميل عن اعتقاده بأن «قصة الشراكة بهذا الشكل ليس لها مستقبل، وهي لن تتحقق.. وإن تحققت فسيترتب على تحقيقها خسارة كارثية لسورية».

معلومات إضافية

العدد رقم:
385