استيراد الأسمنت.. من المستفيد؟؟

هذا هو العصر الذهبي للتجار ورجال الأعمال قولاً وفعلاً وخططاً ونتائج على الأرض، أما شعارات الكادحين والعمال التي مازال بعضها مخطوطاً على جدران المعامل وبعض لوحات الشرف، والتي سادت في فترة قريبة ماضية، وظلت مجرد شعارات، فقد سقطت نظرياً وإيديولوجياً بالتقادم المتعمد، بعد أن كان الواقع العملي قد أسقطها واقعياً.

ولا يحتاج المرء لسوق أدلة للبرهان على ذلك، ومع ذلك فما يدعم قولنا هذا تفصيلياً، عودة الأسمنت الأسود لقائمة المواد التي يسمح لكافة التجار باستيرادها حسب قرار وزارة الاقتصاد والتجارة الذي بدئ بتطبيقه اعتباراًً من 1 حزيران، أي بعد أربعة أشهر من القرار المعاكس الذي أصدرته الوزارة ذاتها بهدف التخفيف من تأثير الأزمة المالية العالمية على الصناعة الوطنية.
فمن هو المستفيد؟؟ وإذا كان هناك عدد من المستفيدين، فمن هو المستفيد الأكبر، أي صاحب المصلحة أو اليد الطولى في اتخاذ أو الدفع باتجاه اتخاذ هذا القرار؟ هذا نتركه للمخمنين الذين لن يتعبوا كثيراً قبل تحديد الجواب الصحيح!؟
إن القرار المذكور استفاد منه قلة قليلة من التجار المستوردين الذين أوصلوا طن الأسمنت إلى 9 آلاف ليرة سورية، عبر احتكارهم لعشرات الآلاف من أطنان الأسمنت في مخازنهم، من أجل إجبار الحكومة أو إعطاء مُصدِر القرار الحكومي مشروعية وسبباً لتبرير ما يصدر من قرارات، أي أنه لا يوجد نقص في إنتاج مادة الأسمنت لدينا، وهذا ما أكده المهندس عدنان عفارة مدير عام المؤسسة العامة للاسمنت بقوله: إن الارتفاع المفاجئ لأسعار الاسمنت، يشير إلى أن الموضوع لا يتعلق بنقص في مادة الاسمنت، (فالمستودعات تغص بهذه المادة، والطلب ليس كبيراً مع الكساد العمراني)، لأنه لو كان كذلك لوجب ارتفاع الأسعار بشكل تدريجي..
يهدف قرار السماح بالاستيراد بالدرجة الأولى حسب زعم مصدره إلى تأمين حاجة السوق المحلية عند ازدياد الطلب، لكن الأرقام تشير إلى واقع مغاير تماماً، لأن نسبة تنفيذ تسليمات مادة الأسمنت خلال الأشهر الثلاثة الماضية كانت أكبر من الطاقة الإنتاجية المتوقعة. ففي شهر آذار كانت 106% قياساً بالمخطط له سابقاً، وفي شهر نيسان 119%، وفي أيار 109%، وهذه الإحصائية حسب أرقام المؤسسة العامة للاسمنت السورية، فالقضية كما هي واضحة بالأرقام، ليست نقصاً فعلياً لا من ناحية الإنتاج ولا من جانب التسليم، بل أزمة مفتعلة يحاول التجار ومن يقف وراءهم افتعالها للاستفادة من (بركاتها)، وتتوضح قضية الافتعال بشكل جلي أكثر بعد دخول معمل أسمنت حماة الجديد على خط الإنتاج منذ بدية عام 2008، بطاقة إنتاجية تزيد عن مليون طن سنوياً.
من جهة أخرى، كانت الوزارة قد أوضحت في قرار إيقاف الاستيراد قبل 4 أشهر، أنه جاء لمواجهة تأثيرات الأزمة المالية العالمية.. فهل انتهت الأزمة الاقتصادية العالمية وتأثيراتها المتوقعة علينا حتى نقرر نحن إعادة الاستيراد؟؟ هل سنسمع بعد أيام مسؤولاً حكومياً سورياً يقول: ثبت أننا لن نتأثر بتداعيات الأزمة المالية العالمية، لذلك قررنا استيراد الأسمنت؟!

معلومات إضافية

العدد رقم:
407