رفع أسعار السماد.. تدمير للزراعة.. تخسير للمؤسسة العامة للأسمدة

لم تمض سوى أشهر فقط، منذ نيسان الماضي 2009، موعد صدور القرار الحكومي المتعلق بتحرير الأسمدة، لتظهر النتائج المرّة التي أعقبت هذا القرار، حيث تراوحت نسب الارتفاع في أسعار السماد المحلي بين 50 – 257%. وهكذا فإن كذبة الحكومة المبررة لاتخاذ القرار انفضحت، ولم تدم طويلاً، والتي اعتبرت أن القرار جاء ليتماشى مع أسعار السماد في الدول المجاورة، حيث تؤكد الوقائع الحالية، وأسعار السوق، أن السماد المحلي يباع في المصارف الزراعية، والجمعيات الفلاحية بسعر أعلى بمعدل 20%-30% عن أسعار السماد المستورد؟! ودليل ذلك تراكم كميات كبيرة من الأسمدة في مستودعات الشركة العامة للأسمدة في حمص، وفي المصارف الزراعية في محافظة حماة، وهذا يطرح تساؤلات عديدة، حول أسباب هذا الفارق الكبير في الأسعار نسبياً بين منتج محلي وآخر مستورد، لماذا أسعار إنتاج السماد في بلادنا أغلى من الدول المصدرة؟! علماً أن أية دولة تهدف من وراء تصديرها منتج ما تحقيق الأرباح، وبالتالي فإن تكلفة إنتاجه الافتراضية في هذه الدول المجاورة ستكون أقل!! ولكن سرعان ما جاء الجواب على لسان المهندس أحمد خرما مدير عام الشركة العامة للأسمدة في حمص، والذي أشار إلى أن سعر ليتر الغاز المستخدم في الشركة ارتفع من ليرة إلى ثماني ليرات سورية، في حين أن سعر ليتر الغاز المستخدم في صناعة الأسمدة في كل الدول المجاورة يتراوح بين 40-60 قرشاً سورياً!! باستثناء مصر التي يصل فيها سعر الليتر إلى أربع ليرات سورية، وهذا يعتبر أخطر المؤشرات عموماً وهو أن الدولة عندما كانت تدعم السماد والمزارع معاً كان سعر ليتر الغاز المستخدم في صناعة السماد الأغلى بين الدول المجاورة، أي أن السماد لم يدعم من قبل الحكومة في السابق، فهل كل ما قيل عن الدعم كان مجرد تلفيق حكومي؟!

 

وذكر خرما أيضاً أن تراكم مخزون الأسمدة في مستودعات الشركة، سيلحق ضرراً كبيراً بالمنتج، لأن التخزين يتم دوغما في جملونات طول كل منها عشرون متراً وبارتفاع تسعة أمتار. والسؤال هل تهدف الحكومة من وراء رفع أسعار الأسمدة، وليتر الغاز المستخدم في الشركة بنسبة 800% إلى جعل الخسارة الإستراتيجية الطريق الوحيد للمؤسسة العامة للأسمدة؟! وإلحاقها بركب الشركات الـ15 التي تم طرحها للاستثمار، بعد خطط ممنهجة من إدارات هذه الشركات، وبالتعاون مع القرارات الحكومية ووزارة الصناعة لتدمير هذه الشركات، وجعل خصخصتها وطرحها للاستثمار الطريق الوحيد أمام إنقاذها بعد تخسيرها المتعمد؟!

كما أن التأثير السلبي لرفع أسعار السماد لم ولن يقتصر على تدمير المؤسسة العامة للأسمدة، وشركاتها الموزعة في القطر، بل إن الأرقام تشير إلى تراجع مجمل إنتاج القطاع الزراعي، والأثر السلبي للزراعة على نمو الناتج المحلي في عام 2008، حسب أحدث تقرير حكومي صدر في تشرين الاول 2009، تم تخصيصه لتقييم أداء الاقتصاد السوري حتى عام 2008، حيث أشار إلى أن الزراعة هي القطاع الحقيقي الوحيد الذي شهد نمواً سلبياً في هذا العام، وتؤكد البيانات الأولية المتوافرة تراجع إنتاج القمح في عام 2008 عن عام 2007 بمعدل 47 بالمئة، وتراجع إنتاج الشعير بمعدل 76 بالمئة، وتراجع إنتاج العدس بمعدل 31 بالمئة، وتراجع إنتاج الفول بمعدل 46 بالمئة، وتراجع إنتاج الشوندر بمعدل 76 بالمئة، وتراجع إنتاج المحاصيل الصناعية 24 بالمئة. وبين التقرير أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي دون الزراعة يبلغ أربعة أضعافه مع الزراعة، ويعود هذا التراجع بشكل أساسي إلى تحرير أسعار السماد، وابتعاد عدد كبير من الفلاحين السوريين عن أرضهم، لعجزهم عن تأمين المحروقات اللازمة لعملية الإنتاج الزراعي،  فكيف ستكون حال هذه الزراعة بعد تحرير أسعار السماد بكل أنواعه؟! والذي شكل بصدوره عبئاً جديداً آخر على المزارع السوري!!