في ندوة الثلاثاء الاقتصادي.. النظام الصحي الحالي ضد الفقراء ومنحاز للأغنياء

 ندوة الضمان الصحي في سورية كانت من المحاضرات النادرة التي تعتمد في تقديمها على التكنولوجيا الحديثة، فالدكتور سمير التقي مستشار مجلس الوزراء للشؤون الصحية قدم محاضرته من خلال خطة مدروسة أعدها فريق من هيئة تخطيط الدولة ووزارة الصحة بطريقة مختصرة وعناوين كثيرة،معتمداً على مشروع تطوير الضمان الصحي الذي يعتبره التأمين ثالث الروافد التمويلية، ويهدف إلى تمويل الخدمات الصحية غير المدرجة في حزمة الخدمات الأساسية لذوي القدرة على الدفع أو المواطنين الذين تشملهم صناديق ضمان صحي موجودة مثل الضمان الصحي للعاملين في الدولة والشركات والنقابات.

معتمداً في دراسته على قياس العبء المرضي على المجتمع باستخدام مؤشر سنوات العمر المتوقعة، معدلة على حساب سنوات الإعاقة والتي تختصر بكلمة (دالي) والتي تحسب سنوات العمر الصحية المفقودة بسبب الوفاة والمرض. وبحساب درجة الإعاقة  فإن النسب التي جاءت بها آفاق الضمان الصحي تمثل مؤشر بالغ الخطورة على مستقبل التنمية في سورية بسبب ارتفاع معدلات إصابة الفئات صغيرة السن بأمراض مختلفة لها تداعيات صحية خطيرة.

فمجموعة الأمراض المزمنة تشكل حوالي 60% من الأمراض أي أن سورية تواجه عبئاً ثلاثياً للأمراض يمثل تحدياً لنظامها الصحي،حيث يقدر نصيب الفرد من الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية الأولية بحوالي 7 دولارات، لذلك يدعو المحاضر إلى مراجعة المعايير والطرق العشوائية المستخدمة في تخصيص الموارد واستبدالها بمداخل منهجية قائمة على دراسة واقعية للاحتياجات الصحية وآليات العرض والطلب على الرعاية غير الاستشفائية والأهداف الوطنية الصحية في المحافظات المختلفة، وبحسب المحاضر فهناك سوء توزيع في الخدمات الصحية، وسورية تواجه ضغوطاً اقتصادية في السنوات القادمة، حيث نصيب الفرد من الدخل القومي وفي عام 2003 كان بحدود 2149 دولاراً وهو يقل عن معظم الدول العربية الأخرى لذلك يتطلب خدمات صحية جيدة توفر موارد اقتصادية كبيرة.

توزع الإنفاق الصحي

يقدر إجمالي الإنفاق على الصحة سنوياً في سورية بحوالي 71 مليار ل.س، مساهمة القطاع العام بحوالي 28 مليار ل.س والخاص بحوالي 43 مليار ل.س، ويشكل الإنفاق العام على الصحة 6.1% من إجمالي الدخل الوطني المقدر عام 2003 بحوالي 21.5 بليون دولار.

من جهة أخرى كان هناك انحياز في تخصيص الموارد نحو المحافظات والشرائح الاجتماعية الأحسن حالاً،فمن أولويات تطوير نظام تمويل القطاع الصحي، فصل تمويل الخدمات عن تقديم الخدمات التي تقوم بها هيئة وطنية مستقلة التمويل وتأمين الخدمات الصحية للمواطنين تلعب دوراً أساسياً في تأمين وشراء الخدمات الصحية من مقدمي الخدمة طبقاً لمعايير وأسس تعاقدية، هيئة رقابية وإشرافية على القطاع الصحي وهو دور وزارة الصحة في المستقبل، مراقبة التزام مقدمي الخدمات بالقواعد المهنية والأخلاقية في عملهم.

حماية وتأمين الخدمات الصحية للفقراء

يشكل النظام الصحي الحالي تمييز واسع ضد الفقراء والفئات المعوزة وبمراجعة الاستثمارات الرأسمالية والجارية الحكومية نجد أنها تتركز في المناطق الغنية أكثر من الفقيرة، المدن أكثر من القرى، المحافظات الرئيسية منها في المحافظات الطرفية، إنشاء شبكات أمان لحماية وتأمين الخدمات غير المدرجة في حقيبة الخدمات الصحية الأساسية للفقراء وذوي المقدرة المحدودة على الدفع، تطوير شراكات فاعلة مع المجتمع الأهلي للمساهمة في تمويل وإدارة هذه الشبكات مع الدولة، تطوير آليات للتمويل تضمن الكفاءة الاقتصادية وتحافظ على كرامة المواطن والفقراء وتحد من التمييز ضدهم عند حصولهم على الخدمات الصحية.

ويرى المحاضر أنه لا بد من توفير حزمة من السياسات المتعلقة بتطوير نظام تمويل القطاع الصحي مثل إحداث وتطوير صندوق وطني موحد ومستقل الإدارة لتمويل الخدمات الصحية وبدمج جميع القنوات التمويلية الحكومية في صندوق وطني موحد ومستقل عن وزارة الصحة ، تدير فروع الصندوق بالمحافظات هذه الموارد بالشكل الأمثل الذي يؤمن الخدمات الصحية للمواطنين بأعلى جودة ممكنة وأقل كلفة اقتصادية، ،بحيث يستخدم هذا الصندوق الحافز المادي التعاقدي لتشجيع مقدمي الخدمات أنفسهم على الاستثمار الصحي طبقاً لخطة وطنية تعتمد على معايير رشيدة، تطوير الإطار القانوني والنظم الإدارية وتوفير الكوادر البشرية القادرة على إدارة هذا الصندوق.

نقاش وجدل وتساؤلات كثيرة

   الدكتور طارق الشيخ أكد  إن توزع العبء المرضي من العوامل الهامة المسببة للفقر في سورية نتيجة الكلفة الزائدة لهذه الأمراض الخطيرة، كمرض السرطان، الذي له فرع معالجة واحد في دمشق، وبرغم الإنفاق الصحي من قبل الدولة الذي يصل حوالي 22 مليار ليرة سورية سنوياً فأن المواطن يدفع من جيبه مايعادل هذا المبلغ ويعني إن نصيب الفرد الواحد سنوياً 60 دولار صحياً، فالقطاع الصحي يلبي شريحة واسعة من مجتمعنا مما حدا بالمسؤولين لوضع قاعدة الضمان والتأمين الصحي لكن السؤال هل يرى المواطن ضرورة التأمين الصحي،وهل موظفو القطاع العام يوافقون على دفع بدل الطبابة كحسم 30% من رواتبهم للضرائب الصحية، ماهي نسبة المواطنين غير القادرين على دفع التأمين الصحي، ماهي سلة الخدمات الصحية المطلوبة في المشافي؟ ماهي مسؤولية الأخطاء الصحية القاتلة، وهل تتوفر الإدارة المدربة لقيادة الإدارة الصحية في بلادنا.وهل شركات التأمين الخاصة التي دخلت إلى السوق السورية بإمكانها حل المشكلة  الصحية في سورية وهي بالأصل غير معنية بمشاكل الفقراء وكبار السن والمصابين بالأمراض المزمنة نتيجة اشتراكاتهم العالية. أسئلة كثيرة أثارها الدكتور طارق الشيخ لم تجد من يجاوب عليها بسبب الغياب التام للجهات المسؤولة في القطاع الصحي عن الندوة.

من جهته أشار  الدكتور عصام الزعيم الى موقف مخفي وغير واضح من المسألة الصحية، وإذا أردنا الحديث عن الهدر، يعني أن الدولة حتى الآن لم تحقق نجاحاً في النمو الاقتصادي، فلو كان هناك نمو اقتصادي فعال لانعكس ذلك على الموازنات الاجتماعية ولاسيما وزارة الصحة. من جهة ثانية تحدثتم عن بعض المفاهيم والأمراض الصحية والعناية، في الوقت الذي لايجد فيه المواطن مكاناً للعلاج، ثم ماذا تقصدون بالمنافسة الشريفة أو التنافسية، وهنا أقول ماهي أنماط الاستثمار، في سورية الآن أنماط عالية جداً فأين المنافسة، وبين من ومن، هل المواطن باستطاعته تحمل هكذا منافسة وخاصة منذ بدايات عام 2000 إلى الآن، ا وعبر لدكتور الزعيم عن شكوكه بصحة الأرقام التي قدمها السيد المحاضر وخاصة مايتعلق بالإنفاق الاستثماري، وفند الزعيم مقولة المحاضر حول تمركز المراكز الطبية في المدن الكبرى، وأبدى استهجانه من المحاضر في موضوع الدولة مقابل المجتمع واعتبره مفهوماً تجريدياً لايعني شيئاً، هل هم الناس الفقراء هل هم الناس المتوسطون أم الأغنياء متمنياً وضع التحديد الدقيق حين التحدث عن المجتمعات لأنها تحدد فيما بعد السياسات وآخر الاستنتاجات كان التعاقد وهذا يختلف من مجتمع لآخر حسب التطبيق فالتجربة الألمانية مثلاً تختلف كثيراً عن التجربة السورية، فما جرى في ألمانيا هو تقليص الخدمات الاجتماعية وهو التيار السائد في الدول  الرأسمالية والدول المتطورة والنامية. فهذه ظاهرة عالمية بعصر العولمة والفرق بينهما أن الإنفاق الاجتماعي يتضاءل للمزيد من الربح والتناسب، أما في سورية فعلينا الأخذ بخيار آخر يعطي للدولة دوراً هاماً.

■ أعدّ الصفحة علي نمر

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.